العدد 5187
الثلاثاء 27 ديسمبر 2022
banner
التعامل مع المتغيرات
الثلاثاء 27 ديسمبر 2022

في زمن مضى، كان من المعيب جداً أن يمتلك أي بيت لاقط القنوات الفضائية، وذلك لأسباب روج لها بأنها أخلاقية، كما حظي التلفاز في بداية عهده بالكثير من الطرائف، وإن صح القول، فقد كانت المرأة تتغطى عند رؤية رجل في شاشة التلفاز، لربما ليس ظناً منها بأنه يراها، بل لشدة تمسكها الديني، كما كان من غير المقبول، في زمن مضى أيضاً، أن تخرج الفتاة ليلاً، ومن الواجب أن تبقى الفتاة لزيمة الدار بعد علو صوت أذان المغرب، ومن غير المقبول أن تبقى خارج البيت حتى ساعات الليل المتأخرة.
أما الآن فقد سبق لاقط القنوات الفضائية تكنولوجيا تفوقه، وبات الإنترنت في يد كل طفل عن طريق الأجهزة الصغيرة الذكية المتطورة، حتى أصبحت الأمية التكنولوجية هي الأمية التي يتحدث عنها، في غياب الأمية اللغوية نسبياً، كما أصبح من الطبيعي جداً عودة الفتيات في أوقات من الليل، مادامت الشوارع مليئة بالحياة والأمن على مدار الأربع والعشرين ساعة، مع وجود بعض التحفظات طبعاً.
هذا الضغط المجتمعي - مهما كانت تداعياته - الذي يشكل أعرافاً هي أقوى أحياناً من القوانين، بل وحتى أن القوانين بنصوصها ترتهن لأمر الأعراف في أحايين كثيرة، هو ما يجعل من الحياة رهينة لآراء واعتقادات قد تكون غير سديدة إلى حد ما. بعيداً عن الحديث عن الأمثلة السابقة، وعلى الوجه الأعم، فإن الأعراف قد تنشأ من الخوف من المتغيرات المجتمعية، وهذا الخوف يقف سداً منيعاً في وجه التعامل السليم مع هذه المتغيرات التي لا تؤثر حقيقة في المبدأ على الإطلاق؛ فالأخلاق ليست بمتغير مهما تبدلت الحياة وتطورت، وقد تممت بفضل نبينا الكريم، وبالتالي فإن الضروري هو كيفية التعامل مع هذه المتغيرات، وذلك بعدم السماح بالاستغلال الفكري، والإيمان الدائم بأن الحياة بطبيعتها متغيرة، وأن هذه المتغيرات لن تغير يوماً لا ديننا ولا أخلاقنا إذا أريد الحفاظ عليهما.
* كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .