العدد 5081
الإثنين 12 سبتمبر 2022
banner
مواقع التواصل والحشد للمجهول
الإثنين 12 سبتمبر 2022

خلقت مواقع التواصل فضاء جديدًا يستقطب المتشابهين في مختلف المشارب، فأصحاب كل توجه ومشرب يحشدون جماهيرهم، ويكافئونهم بصناعة ونشر الأخبار التي تستهويهم وتسعدهم، ما يخلق عالمًا جديدًا لا يعترف بأي نوع من أنواع الرقابة أو السيطرة، ويشكل بؤرة لتكاثر المنتمين لتيارات قد تكون مهدِّدَةً للدولِ أو القيم أو الدين أو العادات والتقاليد التي تعارف الناس عليها.
والغريب أنه - وفي سبيل نشر المزيد من الإعلانات لجماهير مواقع التواصل، وزيادة المدة الزمنية التي يبقى فيها مستخدموها - قامت هذه المواقع بتوظيف التكنولوجيا والخوارزميات المعقدة جدا، بغرض عرض المواد التي تسعد المستخدم، لتوافقها مع توجهاته، ما يجعله مستمرًا في مطالعة المواد التي تقترحها عليه تلك المواقع بإظهارها في شاشته، ما يعني تدفُّقَ عروض إعلانات أكثر عليه، وكنتيجة لذلك؛ تحوّل العالم إلى مكان أكثر قسوة، خذ على ذلك مثالا ما كشفته بعض البحوث مِن أنَّ ازدياد العنف ضد فئات الأقلية في الكثير من الدول كان بفعل تغذية التحريض ضدهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن هذه المواقع بدلاً من قيامها بإزالة هذه المواد المحرِّضة، كانت تقترح عليهم مواد أخرى تزيد من الاحتقان والكراهية والعنف تجاه تلك الشريحة! فقد كان همها الأول نشر المزيد من الإعلانات لزيادة أرباح هذه الشركات.
ولا يتوقف الموضوع عند بث العنف والكراهية، إنما ينسحب أيضا على نشر المواد السياسية التي تعبث في اختيارات الناس وتوجههم نحو التصويت والانتخاب، وتخلق حالة من الضياع والتشتت، أو حالة من التبرير لأعمال سيئة أو التشويه لقرارات مهمة مصيرية، والتحريض عليها، فالبيئة الحميمة في مواقع التواصل، تسهل تمرير كل شيء إلى كل أحد، بدون الحاجة لمراجعة تلك الأفكار، خصوصاً في الأحداث العاجلة أو المفاجئة.
إن للحشد والتضليل عواقب وخيمة، وآثارا هدامة، وقد سهلت مواقع التواصل كل ذلك بغرض جني المال ومضاعفة الأرباح، والضحية هي البشرية، لذلك من الضروري تعزيز الحس النقدي لدى الناس، وكشف هذا الخطر لهم، ففي عالم افتراضي لا يعترف بالحدود، يمكن لهذه الحشود أن تهدم الحاضر و المستقبل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .