العدد 5022
الجمعة 15 يوليو 2022
banner
منظمة التجارة العالمية والوكالات التجارية
الجمعة 15 يوليو 2022

كخلفية عامة نقول، ومع بداية انتشار التجارة العالمية وتشعبها سعت معظم الشركات والمنتجات العالمية سعياً حثيثاً نحو الانفتاح على دول العالم عبر تعيين وكلاء محليين حصريين (أو غير حصريين) من التجار والشركات المحلية المعروفة في المنطقة عبر توقيع عقود وكالة محددة. وكان الهدف الأساسي من تعيين الوكلاء المحليين دخول الأسواق المحلية وزيادة المبيعات في المنطقة عبر وساطة هؤلاء الوكلاء، وبخاصة أن الشركات الأجنبية لا تعرف المنطقة ولا تعرف طبيعة احتياجاتها وذوق المستهلك المحلي. ويقوم الوكيل المحلي بتغطية كل هذه المآلات وأكثر منها.  ولهذا نجد الآلاف من الوكالات التجارية في مختلف المجالات تنتشر في دول الخليج وتنساب عبرها كل البضائع والمنتجات العالمية ذات الشهرة “البراند” العالمية ومن الأسماء التجارية المرموقة في كل المدن والقرى والبوادي.
ولكن قيام منظمة التجارة الدولية يبدو أنه سيقلب موازين التجارة العالمية ومسارها المعهود. وكذلك سيغير كل معالمها لانتهاجه أسساً وقواعد جديدة يجب السير وفق مسارها ومنها عدم وضع المعوقات المحلية أو الحواجز في وجه انسياب التجارة العالمية. وبهذا فإنه ومع انضمام أي دولة لمنظمة التجارة الدولية فإن الوضع فيها يصبح مختلفاً تماماً لضرورة اتباع قواعد اتفاقيات المنظمة العالمية. وبالطبع، هناك العديد من الإيجابيات والسلبيات، من قيام منظمة التجارة الدولية لا يسع المجال هنا لذكرها. 
ومن دون شك فإن الممارسة الحالية لنظام الوكالات الحصرية ستتأثر بانضمام دول الخليج لمنظمة التجارة الدولية؛ لأن الشركات العالمية تستطيع دخول أي مكان بحرية وممارسة التجارة دون أي تقييد في أي شكل ودون شرط وجود الوكلاء المحليين الذي ظل سائداً لفترة طويلة. ومن هذا بالطبع سيتعرض الوكلاء الحاليون لبعض الضغوط من الشركات الأجنبية للدخول معهم في شراكات بنسب معينة (تعطي الشركات الأجنبية النسبة الأعلى) تتيح للشركات الأجنبية دوام السيطرة الكاملة المريحة أو فسخ عقود الوكالة التي ظلت سارية منذ مدة ليست بالقصيرة. هذا الوضع الجديد يطرأ لأن شرط تعيين الوكلاء المحليين أصبح فارغاً، وربما غير ملزم في ظل اتفاقيات منظمة التجارة الدولية. 
وإضافة لفسخ عقود الوكالة، فإن الكثير من الشركات الأجنبية أبدت رغبتها الأكيدة في تسليم منتجاتها لأكثر من وكيل في البلد نفسه، بل وفي المنطقة نفسها، لتوسيع دائرة النشاط وعدم احتكار البضاعة والمنتجات من قبل الوكيل الحصري، وكذلك الرغبة في منحهم الحرية في تحديد نسبة الربح للشركات المتعاقدة أو تأسيس شركات مشاركة مع الوكلاء والمساهمة المؤثرة في رأس المال. وهذه المطالبات الجديدة ليست في مصلحة الوكلاء الحاليين وستقلب الطاولة في وجوههم بالرغم من وجود الاتفاقيات الخاصة بالوكالات منذ مدة طويلة “جداً”. وهذا الوضع أو “الخازوق” الجديد يمثل إحدى ثمرات اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ويجب أن نستعد لنشهد العديد من المنازعات القضائية أو اللجوء للتحكم، والذي بدأ في بعض المناطق بواسطة أصحاب الوكالات المحلية، وبخاصة أن معظمهم لديه ارتباطات قانونية متعددة قامت أساساً لتنفيذ عقود الوكالة وما يرتبط بها، وبعضهم صرف مبالغ في الإنشاءات والمباني والقوى البشرية لمقابلة التزاماته الناشئة عن عقود الوكالة.
مع كل وضع جديد هناك ضحايا وتضحيات؛ لذا نرى ضرورة تدخل الدول في هذا الموضوع وتدارس تداعياته القانونية وغيرها، والعمل الجاد مع منظمة التجارة الدولية ومن يقف خلفها لاجتياز هذه المرحلة الحرجة حتى لا تتضرر التجارة، ومنها قد يتضرر المستهلك بسبب شح البضائع أو ندرتها، ويجب بحث الحلول المناسبة لهذا الأمر، وبما يحفظ الحقوق لكل الأطراف المتعاقدة كإنشاء حركة تجارية بمنتجات محلية تنافس المنتجات الأجنبية. وأيضاً يجب على الوكلاء المحليين البحث عن بعض البدائل العملية لتخفيف انعكاسات سريان اتفاقيات منظمة التجارة العالمية كاستنباط نماذج عقود جديدة تنظم العلاقة بينهم والشركات الأجنبية لضمان عدم سحب الوكالات منهم أو فسخ العقود وتجريدهم من أرباحهم. الأمر يحتاج لوقفة واضحة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .