+A
A-

لماذا يبتعد بعض أغنياء مصر عن حفظ أموالهم بالبنوك؟

لا شك أن أخبار الجرائم والحوادث تعد من المواد المثيرة للقراءة.. كما أن تحليلها يعد عنصرا هاما للخروج ببيانات هامة عن أي مجتمع تقع فيه.. وغالبا ما تتركز دراسات الجريمة في العوامل الاجتماعية التي دفعت إليها والأسرة ودورها والتعليم وغيره.. ولكن قليلا ما يتم دراسة الجرائم من باب الاقتصاد.

وقد شهدت مصر جريمة سرقة الفترة الماضية يمكن تحليلها اقتصاديا، حيث تم إلقاء القبض على تشكيل عصابي تخصص في سرقة الشقق في القاهرة وتبين أنهم وراء سرقة قرابة 51 شقة بأرقى مناطق القاهرة والجيزة في وضح النهار والاستيلاء من داخلها على نحو 100 مليون جنيه ومشغولات ذهبية ومجوهرات نحو 13 كيلو ذهب واعترف المتهم الأول بأنه وضع 10 كيلو ذهب داخل خزائن بالبنوك، كما أنه اشترى أراضي وشققا ومحال تجارية بالأموال حصيلة جرائمه.

وأثارت هذه الجريمة فضول المصريين واستغرابهم لحجم حصيلة السرقة وأيضا الأسلوب الذي تمت به في وضح النهار وطبيعة المتهم الأول، حيث إنه خريج جامعي حاصل على بكالوريوس فنون تطبيقية تمكن من استخدام الخيال الذي تعلمه في دراسته في ابتكار أسلوبه لفتح الشقق والخزائن.

لكن هناك تحليلا اقتصاديا لهذه الجريمة.. فمتوسط ما سرقه اللص من كل شقة يصل إلى مليوني جنيه إضافة إلى نحو ربع كيلو مشغولات ذهبية من كل شقة.. وهذا يعني ببساطة أن أغنياء المصريين لا يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في البنوك والأمر غير قاصر على متوسطي ومنخفضي الدخول.. وأن مبادرات الشمول المالي التي تقوم بها البنوك مع المركزي المصري لا تؤتي ثمارها ويصر المصريون على الاحتفاظ بأموالهم "تحت البلاطة".

الحسابات البنكية

وتشير أكثر الإحصائيات تفاؤلا إلى أن عدد المصريين الذين يمتلكون حسابات بنكية يصل إلى 13 مليون حساب من إجمالي 92 مليون مصري أي بنسبة لا تتعدى 14 %وهي نسبة ضعيفة جدا علما أنه يوجد في مصر 39 بنكا بعدد فروع 3950 فرعا.

وفي فبراير الماضي قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي إنشاء المجلس القومي للمدفوعات بهدف خفض استخدام الأوراق النقدية وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في الدفع، وتطوير نظم الدفع القومية والحد من المخاطر المرتبطة بها، ودمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي وتخفيض تكلفة انتقال الأموال.

يقول هاني توفيق الرئيس التنفيذي لشركة يونيون كابيتال للاستثمار المباشر إن التقديرات المبدئية لحجم الكاش المتداول خارج الجهاز المصرفي يصل إلى 2.3 تريليون جنيه مصري وهو رقم ضخم يعني أن نصف سيولة المجتمع المصري خارج الجهاز المصرفي وبالتالي لا تسدد ضرائب للدولة.

وأشار إلى أن الجريمة الأخيرة تؤكد أن أغنياء المصريين يرفضون البنوك وأموالهم تحت البلاطة في المنازل، مشيرا إلى أن الحل الأمثل لهذه المشكلة هي تفعيل منظومة الدفع الإليكتروني ومنع تداول الكاش وهذا سيؤدي إلى دخول كل الأموال إلى الجهاز المصرفي وزيادة حصيلة الضرائب إلى أكثر من الضعف.

ويرى هشام توفيق الخبير الاقتصادي أن الجريمة الأخيرة تثبت أن المصريين يفتقدون لثقافة التعامل مع البنوك، مشيرا إلى أن التغيير يكون بالتعليم ففي الولايات المتحدة الأميركية يتم اصطحاب أطفال المدارس إلى البنوك لفتح حسابات وبالتالي تتحول إلى ثقافة لدى المواطن الأميركي.

وأشار توفيق إلى أن البنوك غير مسؤولة عن إحجام المصريين عن فتح حسابات بنكية لأن عمليات التسويق لا يمكن أن تبدأ إذا كان هناك غياب للثقافة ويمكن أن تكون مسؤولية البنوك في الصعوبات التي يتم وضعها أمام المواطن عند رغبته في فتح حساب، حيث إن هناك طلبات من بعض البنوك تدفع المواطن إلى الخروج من البنوك دون العودة إليها مرة أخرى.

ويرى توفيق أن أحد أسباب إحجام المصريين عن فتح حسابات بنكية أن جزءا كبيرا من الاقتصاد المصري هو غير رسمي أي اقتصاد الظل ولابد أن تحاول الحكومة تحويله إلى اقتصاد رسمي.