+A
A-

الحياة جميلة... ولكن!

د.  خالد إسماعيل العلوي

 المشكلة:

مشكلتي غريبة سأروي لك قصتها في البداية، تعرفت على فتاة أجنبية بديانة مسيحية في البحرين. توطدت علاقتي بها جدا أحببتها وبادلتني نفس المشاعر إلى أن فتحت موضوع الزواج ولم ترفض ذلك بل ورحبت بالفكرة تماما. وبالفعل تزوجنا دون علم أي أحد من أهلي أو أهلها اللهم بعض الأصدقاء المقربين منا جدا. ولكن أمر زواجي يشوبه كثير من السرية والحذر لكي لا يعلم به أحد من أقاربي ومن ثم احرم من الإنسانة التي أحببتها واخترتها شريكة لحياتي، فأخفيت الأمر عن أهلي طوال مدة زواجنا التي أنجبت لي خلالها طفلا.

مع أنهم كانوا يتساءلون أحيانا عن تأخري أو غيابي عن المنزل فكانت حيلتي الوحيدة هي الكذب والمراوغة كل مرة. ولكن هل كل ما يخفى يمكن أن يستمر؟! وكما يقال إن حبل الكذب قصير فلم يمض عام واحد إلا وكل أهلي فوجئوا بالخبر وكشف أمري لصغيرهم وكبيرهم بأنني متزوج ولدي طفل في الخفاء. في البداية أمطر على الجميع كلمات العتاب والتوبيخ نتيجة لصدمتهم بأمري إلا أن الصدمة زالت شيئا فشيئا وخضع الجميع للأمر الواقع وهدأت الخواطر، وفهم الجميع أنها حياتي الخاصة ولا دخل لأحد فيها ولا يمكن أن يتم تغيير هذا الاختيار الذي تم عموما.

وهكذا هدأت الأمور واستقريت في سكن قريب من منزل أهلي، وكانت ولادة طفلي الثاني موضع حفاوة وترحاب من الجميع.

ولكن للأسف لم تدم سعادتي طويلا حيث فوجئت أو بالأحرى صدمت عندما علمت أن زوجتي ما زالت على ذمة رجل آخر في موطنها الأصلي، والأمر الأدهى أنها أم لثلاثة أطفال آخرين هناك، أي أن أولادي لهم أخوة في بلد آخر.

الصدمة كانت عنيفة بالنسبة لي في بداية الأمر استطعت أن أتكيف من جديد مع الوقت إلى حد ما وخاصة عندما حاولت زوجتي أن تقنعي أنه شبه منفصلة عن زوجها الآخر، وكما أنها تفضل أن تستقر في حياتها معي هنا في البحرين، ولا تفكر في العودة أبدا إلى بلدها، هل يعتبر زواجي بهذا الشكل صحيحا أم باطلا من الناحية الشرعية؟! وكيف استطيع أن أوفق حياتي من الناحية النفسية والعاطفية؟ وما مدى تأثير ذلك على حياتي الاجتماعية وعلاقتي بالمجتمع؟! أرجو إفادتي بإجابات شافية لتساؤلاتي هذه. وكما أرجو منك أن تساعدني بتوجيهاتك كيف يمكنني أن أتعايش مع هذه المشكلة؟ 

 

 الحل:

سيدي الفاضل.. ي. خ... أنت بالفعل في وضع لا يحسد عليه. إن مشكلتك هذه يتخللها كثير من الأحداث المثيرة والمواقف الطريفة والتراجيدية في الوقت نفسه، ويبدو لي أنها قصة مناسبة في تركيبها الاجتماعي لأن تتحول إلى سيناريو فيلم أو مسلسل تلفزيوني أو تمثيلية، ولم يأت هذا التصور من منطق السخرية أو الاستهزاء بمشكلتك بل بالعكس تماما لأنني أرى شيئا من التعقيد والمتاهات الشائكة في مضمونها التراجيدي. فقد نتمكن من إيجاد مخرج لها ونوفق في معالجتها من الناحية النفسية والاجتماعية ولكنها قد لا تكون كذلك من الناحية الدينية والتشريعية فتشكل حجر عثرة تحول بينك وبين الاستمرارية في حياتك الأسرية التي كادت أن تستقر نهائيا بعد أن تغلبت على تلك المواجهة الأولى مع أهلك واستطعت أن تخمد البركان بواسطة تدبيرك لبعض الأساليب التي قد تكون ملتوية إلى حد ما، خصوصا بتلك التبريرات الكاذبة التي استطعت أن توهم أهلك بها مع أن لا شيء يضاهي الصراحة في التعامل مع بعضنا البعض في حياتنا بصورة عامة. لهذا لا أتفق معك في هذا الأسلوب الذي اتبعته مع أهلك وكان يمكن أن ينقذوك من هذه المشكلة في البداية قبل أن تتفاقم الأمور وتصل إلى هذا الحد.

مهما قلنا إنك معذور في حيرتك هذه ولك الحق أن تكون متوترا وقلقا على وضعك الأسري العام ومستقبل أولادك وخلاف ذلك. إلا أنه لا يمنع أن نوقع اللوم والعتاب عليكما كزوجين على ما ارتكبتماه من خطأ في حق أنفسكما وحق غيركما، وعليكما أن تتحملا مسؤولية هذا الخطأ مهما كان ثمنه وبغض النظر عن تحمل طرف على حساب طرف آخر.

عموما، يا أخي الفاضل، وأنت أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تأخذ برأي الدين والشريعة وما يأمرك به وما ينهاك عنه، وهذا ما سوف نشير إليه مستقبلا، وإما أن تستمر في حياتك هذه دون أن تقيم أي تنازلات كانت، وعدم الاكتراث بما قد يمليه عليك أي طرف أو وجهة نظر ما، أو تفرضه عليك عقدية أو مبدأ، وأخلاقيات معينة في ظل البيئة التي ترعرعت فيها، آملا أن تتجنب الوقوع في الثغرات التي من الممكن أن تقود إلى متاهات لا نهاية لها. عليك أن تلتزم بالحذر والحيطة في خطواتك القادمة التي ستتخذ من خلالها قرارك الحاسم لهذا الموضوع المعلق.

أما من وجهة نظري الشخصية أعتقد لكي تعيش حياة طبيعية تخلو من الوساوس والشكوك وحتى يرتاح بالك فعليك أن تأخذ برأي الدين والشريعة والذي سيكون هو الأصوب في مثل هذه الأمور وخاصة أن مشكلتك هذه لها أبعاد دينية وتشريعية بحتة، ولا يستطيع أن يفصل فيها إلا شخص متخصص ومتمرس في هذا المجال!!

ومع ذلك لا يمنع أن نستأنس بآراء أعزائنا القراء في المشاركة بمثل هذه القضايا الإنسانية فأهلا بآرائكم ومقترحاتكم بشكل عام حول هذه المشكلة، والتي سنتناول معالجتها من الناحية الدينية في الأسابيع المقبلة.