+A
A-

"الرجل الذي ترك وصيته في الفيلم" جاذبية خاصة بالواقعية

إذا كانت أفلام المخرج الياباني الشهير " اكيرا كوروساوا" مثال جدل حقيقي ونقاش يدوم طويلا، فإن أفلام مواطنه المخرج " ناجيزا اوشيما" الذي توفي العام 2013، تفتح أبواب الجحيم لأنها كسرت التقاليد بطريقة تجعلك على الفور تشعر بأنك تقف امام مخرج ينتهج أسلوبا خاصا ويحرز تقدما هائلا في تعاطيه للقضايا التي يطرحها في شكلها ومضمونها، ورغم الجوانب السلبية التي تحتوي عليها بعض أفلامه والتي تخالف الإرث التقليدي للمجتمع الياباني، الا ان لها جاذبية خاصة ترتبط بالواقعية التي اخذت لها مكانا عاليا في السينما اليابانية.
المخرج " ناجيرا أوشيما" كان يسجل مظاهر الالهام والتفوق على معاصريه في كثير من أفلامه، مثل فيلم " الرجل الذي ترك وصيته في الفيلم" الذي يتناول قصة شباب يابانيون بعد مظاهرات طوكيو في نهاية الستينات، يحاولون ان يبحثوا عن أنفسهم و أن يشاركوا في صنع مستقبلهم، ومستقبل العالم الذي يعيشون فيه. ويبدأ الفيلم كما ينتهى بلقطة لشاب يلقى بنفسه من أعلى عمارة طويلة فيسقط على الأرض وبيده كاميرا سينمائية صغيرة، وسرعان ما يأتي أحدهم ويأخذها ويجرى. هذا ما يفعله بطل الفيلم في البداية. انه يحاول أن يعبر عن نفسه في فيلم، وفي النهاية ينتحر دون أن يحقق ما يريد ويأتي من يأخذ الكاميرا من يده ويجرى بينما هو جثة هامدة في الطريق.
جمالية الفيلم بتحليل مضمونه وعناصره المختلفة والحكاية المباشرة الواضحة، تكمن في تعبير المخرج " " ناجيرا أوشيما" بدقة عالية عن قلق الشباب من خلال الاحداث المتلاحقة، وكذلك من خلال استخدامه للأبيض والأسود والمونتاج الذي كان طوال الفيلم شديد الخشونة والعنف، وخاصة في المشاهد الأساسية مثل مشهد اغتصاب صديقة البطل من ثلاثة أفراد في وقت واحد بعد ان اختطفوها من الطريق العام في سيارتهم، وفي هذا المشهد نرى العالم الخارجي من وجهة نظر الفتاة الراقدة في المقعد الخلفي وقد قلب رأسا على عقب.
في هذا الفيلم الذي انتج عام 1970 وكما يبدو اختار المخرج " اوشيما " كل لقطة على أساس تأثيرها المباشر الواضح ومنها اللقطات القريبة التي توضح ردود أفعال الشباب، واللقطات الطويلة مثل لقطات الشوارع والطرقات الداخلية والمطاردات وذلك لتقوية التعبير عن المشاكل التي يعيشها الشباب ويشعرون بها كل يوم، كما تتحرك الكاميرا ببراعة وقوة وشاعرية فذة تعكس رؤية المخرج الثورية للعالم بأسلوبه الخاص المتميز، ووفق اخلاقه الخاصة المستقلة، كما تدل على براعة ذهنية