العدد 2991
الخميس 22 ديسمبر 2016
banner
ولا تزال المصارعة الحرّة مستمرّة
الخميس 22 ديسمبر 2016

كانت المصارعة الأميركية الحرّة، من أهم البرامج التي كنا نتفرج عليها صغاراً عندما كانت الخيارات التلفزيونية محدودة جداً، وكان التعليق عليها باللغة العربية الفصحى، وهذا ما أثار استغراب الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد في روايته “البلدة الأخرى” التي روى فيها تجربته في العمل في دول الخليج قبل عقود.ولكن ما كان يثير استغرابنا، بل وحنقنا، ويجعلنا نتميّز غضباً، تلك المسرحيات التي يقوم بها حكم اللقاء عندما يمنع المصارع “الطّيب” من تخطي القانون الذي تخطاه من قبل المصارع “الشرير”، ويغض الطرف عن السيئ، بينما ينصح المصارع المحبوب والطيب والملتزم بالتزام الهدوء، فيعطي الفرصة للخصم أن يلتقط أنفاسه، ويستعيد قواه. وننتهي أحياناً بمرارة عندما يتغلب الشر على الخير، وينتصر اللؤم والمراوغة على الصدق والمباشرة والالتزام. لم نكن حينها ندرك تماماً أننا أمام مواجهات تصبو إلى الترويج والإثارة، ونسمع من الكبار أنها أمور متفق عليها، ولكننا ننسى، في غمرة اندماجنا، أننا أمام أدوار متفق عليها تماماً، قد يبالغ البعض في أداء دوره، وقد ينسى للحظات ما جرى الاتفاق عليه، ولكنه سرعان ما يعود إلى رشده وينفذ المطلوب منه. فلقد حوّلت الثقافة الأميركية الكثير من الأمور إلى سلع مدرّة للأرباح، ومنها الرياضة حيث دخلت فيها عوامل كثيرة جدا، حرفتها عن أهدافها الأولى.المصارعة الحرّة الأميركية قضت تماماً على المصارعة الإنجليزية وأقصتها عن المشاهدة، حيث القوانين الصارمة، وجولات من المنازلات الرياضية، كما في الملاكمة. كما يجري في الحياة تماماً، فليس من المعقول أن ينتصر الخير دائماً، بل ربما صحّ القول انه من النادر أن ينتصر الخير، إذ تسود في هذا الزمان قيم المراوغة والتمثيل والاستعراضات، كما يفعل المصارعون في ظهورهم الغرائبي. وكما يحدث في هذا الزمان أن تطلب الأمم المتحدة من الدول المعتدى عليها أن تضبط نفسها، وتلقي عليها باللائمة المتساوية مع ما تلقيه على المعتدين، ويصبح من يردّ الظلم مع الظالم في كفّة واحدة، ليقوم السؤال: وما جدوى الالتزام بالقانون إذا؟ الأمر ينسلّ من الدول إلى المجتمعات التي باتت تفور فيها النزعات الذاتية العدوانية التي لا ترى إلا نفسها، وترى أنها الوحيدة المستحقة للوجود، ووجود غيرها تفضلاً منها لأنها سمحت للآخرين المختلفين أن تتوافر لهم الحياة، خصوصا إن استقووا بمن يحميهم من القانون ويطلب من الآخر التحلّي بالصبر والأناة وعدم ردّ الصاع بالصاع لأن ذلك سيثير الشقاق. المسألة تنتهي إلى الأفراد الذين نرى نماذج متعددة منهم، يتجاوزون القانون في كل تفصيلة من تفصيلات الحياة، حتى بات الاستثناء سابقاً هو السائد والقاعدة اليوم، وصار الملتزم بالقانون يثير الاستغراب والشفقة، حتى يرى أنه الخاسر الأكبر إن لم يلتحق بموكب المخالفين، وتجري إعادة صياغة القانون بحسب ما تم اختراقه، في ظل رخاوة التنفيذ وسيادة المخالفات، والعيش بقانون المصارعة الحرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .