العدد 2988
الإثنين 19 ديسمبر 2016
banner
حَلب... وحلْب المواقف المتماثلة
الإثنين 19 ديسمبر 2016

ليس في الأمر أي جديد، وهذا مدعاة للخوف على هذا الشعب العربي العريض، ألا يكون هناك جديد فيما يعيشه ويعانيه يومياً، والأشد من هذا أن المعاناة والمواقف، الحب والكره، التعاطف والتخالف، أمور لم تعد مرهونة بالإنسانية الحرّة المطلقة دونما دخول “المذهب” في المسألة من الأساس.

في مسألة مدينة حلب، وقبلها في المسألة السورية برمتها، ومن قبلها العراق، وغيرهما من الدول والمدن، لا تجد إلا موقفين هما الأكثر وضوحاً، أي المذهبين الأكثر تأثيراً ووضوحاً في هذه المنطقة. وحتى المنتمون إلى مذاهب فكرية بعضها لا ديني، وبعضها أخلاقي، وبعضها “لا أدري”، فقد انساق القسم الأعظم والأعمّ منهم إلى ما تمليه عليه جذوره الأساسية، تراه خجلاً في بداية الأمر، ثم ما تلبث أن تراه يجأر بما يجأر به قومه، يحاول أن يستر عوراته الفكرية، وبشاعته الإنسانية، بخِرَقٍ بالية من التنظيرات، ولكن هيهات أن يستر المُنخُلُ الشمس.

يتبادل الطرفان البكاء على ضحايا الديكتاتورية، يصابان بهستيريا، يسكران بالانتصارات التي تتحقق على جبهات متناقضة، المدنيون الضحايا لا وجود لهم هنا، الضحايا المدنيون مساكين هناك، القنبلة هنا جريمة، هناك فخر، كيف ينقسم الدم في حمرته ما بين مستحق للقتل، ومحرّمٌ على القتل، والضحية واحدة؟! ماذا تقول الأرواح البريئة لبعضها وهي تتصاعد كل يوم على جبهات القتال، ومن خواصر القتال؟! كيف ينقلب المثقفون أيضاً إلى مبرِّرين للقتل والفتك والحمم، وأكثرهم حياءً يحيل الأمور إلى اضطرار السلطة التي يصطف معها إلى الحرب، بينما – وعلى طرف آخر – ينزع هذا العذر الأوقح عن سلطة أخرى يخاصمها مذهبياً، تمارس الدور نفسه، والفعل نفسه، والقتل نفسه، والفتك نفسه؟! عينٌ تعمى عن أناسٍ تتهدم عليهم طبقات المباني، ويُخرجون من تحت أسياخ الحديد وأطنان الأسمنت جثثاً، وهذه رحمة، إذ ربما يخرجون بعاهات تستمر معهم طيلة حياة ملؤها تسديد فواتير لما لم يشتروه، بل نتيجة اختيار سلطات ما سألتهم قط، وما شاورتهم في ما مضت فيه من حروب وخصومات، هم وحدهم سيدفعون الثمن، بينما طائفيونا يتقاسمون فاتورة إعلاء الجدران بينهما... في الحقيقة، فهي عملية إعلاء جدران بينهم وبين بقايا إنسانيتهم.

إن تعاطفاً يتحرك بما يمليه المذهب لهو أبعد ما يكون عن الإنسانية، ولا يمكن أن يمتد إلى من هو خارج هذا الإطار الضيق من النظرة التي لا ترى العالم إلا من منظور من ينتمي إليّ ممن لا ينتمي، هنا لا يجدي نفعاً سرد المحفوظات من الدين، والوصايا والتعليمات، على أساس أنها دستور هذا الفريق أو ذاك ونبراسه، فالتعريف الأبسط للإيمان – كما تعلمناه في المدارس وكبر معنا – هو “ما وقر في القلب وصدّقه العمل”، فما لم يصدّق العمل هذه النصوص فيعني أنها لم تتعد اللسان، أو أنها وقرت في القلب واستقرت، ولم يصدّقها العمل، فيا لضيعة الدين إذ لم يرحم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية