العدد 2984
الخميس 15 ديسمبر 2016
banner
الثقافة الضحية
الخميس 15 ديسمبر 2016

أين تقع “الثقافة”، بمفهومها الواسع، من سياسات الدول العربية بمجملها؟ هذا واحد من عشرات الأسئلة الإشكالية التي تضع الثقافة في البنود المتأخرة من الاهتمام الرسمي، فالقيمة العليا في الكثير من المجتمعات العربية لما يسمّى بـ “الوزارات السيادية”، كتلك التي تحمي الحدود وتخاطب الدول الأخرى وأيضاً المؤسسات التي تتحكم في الجانب المالي وتقوم عليه. أما الثقافة فهي، في المجمل العام، واحدة  من الزوائد التي غالباً ما يُنظر إليها بأنها مجاملة للمجتمع الدولي، وحتى يُكتب في التقارير المدبَّجة، التي لا يصدقها حتى من يكتبها، أن هناك كياناً للثقافة، بينما غالبية الكيانات الثقافية الرسمية والأهلية في الوطن العربي تشكو التهميش والتضييع.

تكون اهتمامات الدول بالثقافة باهتمام الكيانات الأخرى بداخلها، فالصحف إن زادت إعلاناتها تضحّي أول ما تضحّي بالصفحات الثقافية، والإعلام المرئي العربي خلوٌ اليوم تقريباً – وأتمنى أن يخطّئني أحد – من البرامج الثقافية. بينما تفرد بعض وزارات الإعلام في تلفزيونها الرسمي قناة ثقافية اسماً، بينما المضمون والشكل يحتاجان إلى الكثير من المراجعات حتى يمكن لهذا المنتج الثقيل الدم أن يصل إلى الجمهور.

إذا شاء الحديث أن يمدد، فإن الجمهور المقصود هو الجمهور الشاب، حسبه أنه أوتاد خيمة المستقبل لهذا الوطن العربي الكبير، وأنه من يشكل الأكثرية العددية من السكان العرب، بنحو يصل إلى 60 %، ولأن من يشاء أن يستثمر فعليه أن يستثمر استثماراً طويل الأجل، فليس من المجدي كثيراً الاستثمار في الراشدين الذين تشكلت تقريباً رؤاهم لما يحيط بهم. هذا الجمهور الشاب الذي بات منفتحاً اليوم أكثر من أي يوم مضى، وسيكون في الغد أكثر انفتاحاً من اليوم أيضاً، على الكثير من الثقافات العالمية التي تتزاوج وتتلاقح وتتلاقى وتتفاعل مع ثقافته الأم، ومن دون ثقافة أصيلة وواثقة وقابلة للأخذ والرد من الثقافات الأخرى، ومن دون ثقافة وطنية وقومية ودينية حيوية قادرة على التعاطي والتأثير والتأثّر؛ فإن هذا الجيل ومن بعده سيكونون آخر من سيقال عنهم عرباً أو شرقيين أو أيٍّ من هذه التصنيفات، لأن نزع الثقافة من الحراك اليومي للناس، وتهميش الثقافة في الفضاءات العمومية التي يلتقي فيها الجمهور، وإعلاء الثقافات السطحية القائمة على الضحالة وتقديس الشكل والجسد والانكفاء المَرَضي على الذات، والانعزال عن الآخرين، وعدم التفاعل مع القضايا الوطنية، وما بعد الوطنية أو القُطرية، في الوقت الذي يجري فيه الارتباط، بل الارتهان لثقافات (ثقافة واحدة بالأحرى) تقدِّم نفسها بشكل قوي وطاغ وفيّاض؛ كل هذا من شأنه أن يقطع الجذور مع الثقافة العربية الحالية التي تحتاج أيضاً إلى المراجعة وإزالة الشوائب منها، وتخليصها من الآفات العقلية العالقة، ومتى ما انقطع الإنسان من جذوره، وفقد هويته، وبات معولماً لا انتماء له؛ ما أغنى عنه ماله وما كسب؟! ويتواصل الحديث عن الثقافة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية