العدد 2970
الخميس 01 ديسمبر 2016
banner
الآخر باعتباره مختلفاً ونجساً
الخميس 01 ديسمبر 2016

لا أعلم ما إذا كان لدى العرب وحدهم هذا التفوق في النواح بأنهم مظلومون، وأن هناك نظرة عدائية من الآخر تجاههم، وأن هناك سوء فهم من قبل الآخر لهم، أم أن هناك شعوباً أخرى لديها هذا الحس الشديد والهوس بطهرانيتها إزاء دنس الآخر.

يقال إن الإنسان لا يهجس إلا بما يفعله هو نفسه، وكما قيل في المثل الشعبي “كلٍّ يرى الناس بعين طبعه”، فالسؤال في الفقرة السابقة، وكأنه ينصرف إلى هذا المعنى. فالإنسان المسكون بمراقبة الآخرين، يشعر دائماً أن الآخرين يراقبونه كما يفعل إزاءهم، والذين ابتلوا بتلقّط أخبار سواهم، يبحثون في أي سؤال يوجه إليهم على أنه نوع من تقصّي أخبارهم الشخصية... وهكذا. وهكذا أظن أن جانباً كبيراً من العرب يشعرون أن “الآخر” يراهم بشكل ظالم، ويحاكمهم على تصرفاتهم، وينصب العداء لهم، ويقضي آناء الليل وأطراف النهار يخطط ويحيك المؤامرات.

لا نريد الذهاب بعيداً في نظرتنا للآخر الذي لا يشبهنا، والذي إن شابهنا، اجتهدنا حينها في البحث عن ما يختلف فيه عنّا، ذلك أن السياقات التاريخية مختلفة، ولا يمكننا محاكمة الأمس بمعايير اليوم، ولكننا اليوم، في ظل هذا الانفتاح على كل ما يمكننا أن نصل إليه من ثقافات مختلفة، لا نزال نفكر في الآخر بالشكل نفسه الذي تغلبنا فيه شقوتنا، فيكون مصدر توجس تام، وواجبنا عدم تمكينه، وعليه أن يثبت المرة تلو المرة، ومن دون توقف، أنه نحن.

كثيراً ما نظرنا إلى الآخر على أنه أقل منّا شأنا من الناحية الدينية، أو الأخلاقية، أو الاثنين معاً، وأنه لا يُقارن بنا، وأننا نسمو عليه بمراحل لأننا على الدين الصحيح، بينما هو تائه في ضلاله. نتخذ من هذه المقارنة درعاً واقياً من هجماته، ومانعاً لنا من التقدم على شتى المستويات.

ولفرط ما صرنا نستسيغ تسييج أنفسنا عن الآخر، أو ربما نتسابق اجتماعياً حتى نبدو في الكتلة نفسها؛ انكفأنا على أنفسنا، نطرد بعضنا بعضاً، دينياً، ومذهبياً، وقبائلياً، ومناطقياً، ونسوّر مناطقنا لئلا يخترقها الآخر، لأننا نعرف حركات التسلل من وراء الخطوط، ومحاولة استمالتنا بحوادث تشبه الصدف. ولكن على من؟! لقد دخل إلينا الآخر في أدق دقائقنا، بل نحن من أدخله ونصّبه في كل التفاتاتنا. خلقنا الفزّاعات وشطّرناها. قلبناهم أعداء بعد إذ شيطنّاهم، والآخرون الذين هم ليسوا أقلّ منا ولا أكثر، فهم أيضاً ينظرون إلى الآخر، كل الآخر، بالنظرة نفسها. 

لم نتربَّ على تقبل الاختلاف، والآخر في الغالب مختلف، بينما طبيعتنا لابد أن تجد لها من يقودها إن لم يكن هناك قائد. حاجتنا أكبر للتريّب في ثقافة الانصياع التي نتلذذ بها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .