العدد 2956
الخميس 17 نوفمبر 2016
banner
عقول مخدَّرة
الخميس 17 نوفمبر 2016

“لقد وظّفنا الله في السياسة، ولم نوظّف السياسة في ما يرضي الله”، هي تحديداً الجملة التي قالها الصحافي اللبناني فارس خشّان، الذي كان يتحدث في بيت الصحافة البحرينية منتصف هذا الأسبوع، إذ كان يحكي ما حدث ويحدث في لبنان، ولكن العبارة، بكل بساطة، تحكي عن أماكن كثيرة مبتلاة.

إذ لا يتعب ولا يملّ المتاجرون في الدين وبالدين، من العمل ليلا ونهارا على تحويل المقدس المتعالي في السماوات إلى “أداة” (جلّ الله)، يستعملونها ليتحدثوا هكذا باسم الخالق، من فوق المنابر، أو من خلال رقمنة الفتاوى، وإسباغ البركات على من يأتي في سياق ما يشتهون، أو صبّ اللعنات، والإقصاء عن الرضا والجنّات، على من يختلف معهم.

هذا التوظيف الفجّ، إذ نذكر، سبقه إقصاء لا يقلّ عنه فجاجة في العقود التي توسطت القرن العشرين، فكان المدح والقدح حينها يتمحور حول الوطنية من عدمها، بالأمس الخيانة تقابل الكفر اليوم، والوطنية تعادل الانصياع الديني اليوم. فلم يعد بإمكان أي مختلف أن يحاجج “السيا – ديني”، لأنه هكذا سيدخل في دائرة الاحتراق بنيران جهنم في الدنيا لدى من يعتقدون أنهم خزنتها، ويحرم المناقش، أو المجادل، المخالف من الفردوس الأعلى من الجنان، لأن من هم على الأرض يروّجون أن مفاتيح أبوابها الثمانية في جيوبهم.

ليست المشكلة في من يروِّج، فهذا حق متاح أن يدّعي كل ما يريد، ولكن المذهل حقاً هي هذه المجاميع الغفيرة، أنها قررت أن تمنح عقولها إجازات مفتوحة، وتلتجئ في كل التفاتة وإيماءة، إلى من يحلل لها أو يحرّم. آمنّا بسؤال “أهل الذكر” في الملمّات والمسائل المعقّدة وذات الاختصاص، ولكننا لابد أن نكفر في أن يكونوا المهيمنين على جميع جوانب حياتنا: بدءاً من التقاء الزوجين، وحتى دفن الجنازة، وما بينهما من جميع الدقائق المفضية إلى تعطيل فريضة التفكير وإعمال العقل، واستبدالهما باللجوء إلى أصحاب الفضائل مع زيادات مبالغة في الاعتماد عليهم، وفي نهاية المطاف جزء من الطبيعة البشرية، ما إن يروا هذا الافتقار والحاجة إليهم ليرشدوا البشرية في كل ما يعنّ لها، من لبس العدسات الملونة وحتى خلع الجوارب، فكيف لا تتضخم ذواتهم، وكيف لا يصابون بلوثة الربوبية، وتتلاشى شيئاً فشيئاً الحدود من حيث لا يدرون، ليبدأوا في إدارة جميع أنواع الألعاب المالية والسياسية والاجتماعية. ولأن البعض قد تخطى الحواجز الفاصلة من دون أن يشعر أنه انتقل إلى الضفة الأخرى التي لا يجب أن يكون فيها بشر؛ يبدأ في تبرير ما يفعل، في سبيل إقامة دولته وسطوته وسيطرته ونفوذه، ولكنه ينسب ذلك إلى المولى عز وجل، أنه هو الذي يريد هذا، وأن هذا هو دأب الأنبياء والرسل، فتعالى الله عما يصفون، وسلام على المرسلين، وبئساً للأفّاقين، وتعساً لكل مريد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية