العدد 2900
الخميس 22 سبتمبر 2016
banner
العيش في غفلة الـ Short Cut
الخميس 22 سبتمبر 2016

سمعت مصطلح Short Cut لأول مرة عندما كنت أمسك مقود السيارة بأقصى قوتي، ويداي تتعرقان، إذ حصلت على رخصة السياقة للتو، وكنت ذاهباً إلى جامعة البحرين بمدينة عيسى (سقى الله تلك الأيام)، ولم تكن الجامعة مسوّرة آنذاك، فاقترح عليّ الراكب معي أن أعمل Short Cut بالطريق الرملي، الصخري، العشبي، غير المسفلت، بدلاً من السير على الشارع في “دورة كاملة” كما يقول بطلنا الأسطوري غراندايزر. ولكن صاحبكم ومحدثكم مخّه مركّب بشكل لا يقبل الاختصارات، فلم أستسغ رأيه، ذلك أنني أرى أن الطريق الطبيعية والقانونية هي الصحيحة، ولو وفرت الطريق المختصرة بعض الوقت، ولكنني تعلمت كلمة جديدة على أية حال.
بعد سنوات، اكتشفت أن هناك أجيالاً أخذت تنمو على الاختصارات، والـ Short Cut، والذين يصرّون على السير في الطريق القانونية والصحيحة قلة توشك على الانقراض. قبل أيام قلائل كانت هناك مسابقة، بما أننا في بلد “المليون مسابقة، والمليون جائزة”، كان البعض يدعونا مباشرة أن نصوّت له ليفوز، من باب الصداقة والعشم، في حين رصد البعض جوائز مالية وعينية للمصوتين له، وإحداهن تطلب منا أن نصوّت لابنتها أنها أجمل طفلة في القرقاعون لإحدى المؤسسات السخية، أصحاب معهد من المعاهد يشجع أولياء الأمور أن يحثوا أكبر قدر من الجمهور أن يتابعوا حساب المعهد ويصوتوا على أفضل مشروع علمي قدمه الأطفال. وطالبة أنهت الثانوية للتو تسأل عن التخصص الأسهل في جامعة لا تتطلب أربع سنوات للتخرج حتى تحظى بوظيفة مرموقة! والأمر نفسه حدث الشهر الماضي عندما كانت الألعاب الأولمبية تجري، وموضوع التجنيس الرياضي كان حديث الساعة، فلما وصل النقاش إلى الطريق المسدودة أنهى محدثي النقاش بقوله: “أهم شي ارتفع علم البحرين”.
لقد اعتادت الأجيال المتتالية السرعة في كل شيء، في الوصول، في النجاح، في اللمعان، الحياة كلها اختصارات، بدءاً من لوحة الكومبيوتر، إلى الدراسة والامتحانات، إلى الأعمال، ومهما كان الحديث علمياً في أضرار الوجبات السريعة، لكنها Short Cut، ومن الصعب أن تقنع الشباب أن هذه الطريق ليست هي السليمة، وأنها لا تبني الشخصية، وأنهم يحتاجون إلى بعض التريث، وأن الـ Short Cut لا يصلح في كل الأمور، خصوصاً في تخطي القيم، وتزييف الوعي، وتسطيح ما اجتهد عظماء على امتداد البشرية على المحافظة على ارتفاعه وثباته.
لن يجدي التذكير والبكاء على ما لم يعد يجدي التمسك به، ولا أحد يقيم وزناً لاتباع الطرق الطبيعية في الوصول إلى النتائج، فأبواب اليوم مفتوحة لكل صاحب حيلة، المهم أن يصل، بالـ Short Cut.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .