العدد 2870
الثلاثاء 23 أغسطس 2016
banner
الظلم العربي
الثلاثاء 23 أغسطس 2016

لا أدري لماذا تقفز إلى الذهن صورة دريد لحام في مشهد من مسرحية “كاسك يا وطن” عندما خرت دموعه بسبب ضربة بالكف على وجهه تلقاها من رجل أمن محلي وهو الذي كان صامدا لا يبالي بتعذيب الأجنبي له أيام الاحتلال الفرنسي (حسب الحوار في المسرحية)، وكان رده بسيطا متمثلا في أن الظلم وقع عليه من مواطن مثله وليس من الأجنبي، ومع أن السيد دريد لحام يساند الظلم الواقع حاليا في سوريا، إلا أن المشهد السابق لا علاقة له بالموقف الحالي، فالمشهد يتوافق مع بيت الشعر العربي لطرفة بن العبد الذي يقول: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند. أما عمران العربي السوري فإنه ربما مازال صغيرا على فهم انواع الظلم بين أجنبي ومحلي، فهو واحد عنده لا فرق، ولكن في السنوات الأخيرة تحول الظلم عندنا في وطننا العربي من ظلم أجنبي يقوم به الغير بحقنا إلى ظلم محلي يمارس فيه الإنسان العربي ظلمه على المواطن العربي الآخر، فأينما تولي وجهك ترى ظلما عربيا بحق العربي، بل هو ظلم لم يره العربي من الأجنبي في بعض الحالات، فإذا كانت هذه قيمة الإنسان العربي عند أخيه العربي فهل نريد له قيمة عند الأجنبي؟
صورة عمران وقت إخراجه من تحت الحطام ووضعه في سيارة الإسعاف وهو في حالة من الذهول منعته حتى من القدرة على البكاء أبكت مذيعة الـ “سي إن إن” وهي تقرأ الخبر ولم تستطع متابعته بصورة طبيعية، ولها الحق في ذلك، مع أنها لم تبك على محمد الدرة ولا على صورة الطفلة الفلسطينية على الشاطئ وهي تبكي أباها المقتول بيد الصهاينة وهي تغدو هنا وهنا ولا تعرف ماذا تفعل غير البكاء، فحتى هذه الحالات الإنسانية تسيرها السياسة وليس الحق والمنطق والواقع، المهم أن الأجنبية بكت عن قراءتها الخبر مع أن هذه الصورة لم تحرك إحساس المذيعين العرب وهم يرون الخبر بل كانوا يقرأونه كغيره من ضمن الأخبار الكثيرة في وطننا العربي، فما معنى ذلك؟
هو يعني أمرا واحدا لا ثاني له، وهو أن الظلم انتشر كثيرا في منطقتنا وساد على كل شيء وأصبح من الأمور الطبيعية في معيشتنا إلى الدرجة التي جعلته مادة عادية وطبيعية في نشرات الأخبار عندنا، فالإعلاميون العرب تعبوا من متابعة هذه الصفة في وطننا العربي واعتادوا رؤيتها في صور كثيرة متعددة تختلف في ما بينها في المكان والزمان والفاعل، ولكنها تتفق جميعها في الصفة والمفعول به، لهذا بكت الأجنبية ولم تتحرك مشاعر العربية... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .