العدد 1482
الأحد 04 نوفمبر 2012
banner
علمتني “مريم العياضي”
الثلاثاء 07 مايو 2024

 علمتني” مريم” دون أن تدري أن أحتقر الدنيا وما فيها، وأن أسخر من الصراع والجشع والطمع وحب المنصب، وأن أبصق على كل ما في النفس البشرية من خبث ودناءة وسواد.
 علمتني “مريم” أن الحياة لا تساوي جناح بعوضة، وأن اللهث والسُعار المادي مصيره إلى زوال، فنحن حينما نكون تعساء نـُدرك حجم تعاستنا في الحال،ولكن عندما نكون سعداء، لا نعي ذلك إلا فيما بعد، فالسعادة إكتشاف متأخر،يقول الله عز وجل:”إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا”،إلا مريم!
 مريم التي فقدت إبنها ذو الأربعة أعوام مختنقاً إثر حريق إندلع في منزل ذويها، وكاد أن يودي بأبيها المسن، وفي اللحظة التي تهتز لها الجبال حزناً، وفي المشهد الذي تتقطع له نياط القلوب بين فجعها وحزنها على فراق صغيرها” أحمد” وفزعها على الأب المسكين، جرت إلى أبيها واحتضنته وهي تكفكف دموعها الساخنة، وقالت عبارة – لعمري- لم أجد لها مثيل في حياتي ولن أجد:” لا تتركني يا أبتاه.. فأنا أستطيع أن أعوض ولدي، ولكني لا أستطيع أن أعوض أبي”!!
 عبارة إختصرت فيها معاني عجزت عن الإتيان بها كتب بأكملها، عبارة تنم عن معدن إنسان عظيم، خرج من صلب أعظم، وربته إمرأة ذات شأن ومقام فضيل” أم مشعل”.. عبارة لا تنطقها سوى شخصية عظيمة، إستطاعت في اللحظة الحاسمة أن تختار ، وكما يقول المفكر الدكتور مصطفى محمود:” إذا أردت أن تفهم إنساناً، فانظر فعله في لحظة اختيار حر،وحينئذ سوف تفاجأ تماماً.. فقد تفاجأ بصديقك يطعنك وبعدوك ينقذك، وقد ترى الخادم سيداً في أفعاله، والسيد أحقر من خادم في أعماله، وقد ترى الملوك يرتشون، وصعاليك يتصدقون”.
 أما “مريم” فقد استطاعت أن تضرب مثالاً شجاعاً في الصبر والجلد عند الصدمة الأولى، وهو الصبر الذي ينال عليه الإنسان رضا الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى:”إبن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثواباً غير الجنة”.
 إنها “مريم بنت عادل يوسف العياضي” ، بنت الجيران وصديقة الطفولة، وأيام اللهو واللعب والبراءة.. أيام كان الرأس صغيراً والأماني عريضة.
 رحماك يا رب، يا من تعطي الصبر قبل وقوع المصيبة، إعطها الصبر وعوضها على صبرها وإجعل “ أحمد” شفيعها وشفيع زوجها يوم القيامة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.. وابني لها كما وعدت بيتاً في الجنة.. ولله ما أعطى ولله ما أخذ وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 وداعاً” أحمد” أيا طيراً من طيور الجنة، وجزاك الله خيراً على صبرك يا غاليتي “ مريم”..

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية