+A
A-

د. جعفر طوق: فحوصات "الثلاسيميا" في البحرين دقيقة والعلاج الجيني تحت التجربة

  • مرضى "الثلاسيميا" لا يعانون نوبات ألم كالسكلر
  • حاملو "الثلاسيميا" أكثر حظا للنجاة من الملاريا
  • البحرين رائدة في فحص أمراض الدم الوراثية
  • المجتمع البحريني واعٍ وطيع للتغيير

 

قال اختصاصي أمراض الدم الوراثية الدكتور جعفر طوق "إن الوقت ما زال مبكرًا لتوافر العلاج الجيني الجذري لمرضى الثلاسيميا، في الوقت الذي تنصب فيه الجهود العلمية نحو تجربة هذا النوع من العلاجات على مرضى السكلر بالدرجة الأولى". وأشار إلى أن حاجة مرضى الثلاسيميا للمستشفى قليلة، وأنهم أكثر حاجة لوحدة الرعاية للقيام بعملية نقل الدم لهم حسب الجدول المعد لذلك، إلى جانب العلاج المنزلي عن طريق تناول الحبوب.

 

ما هو الثلاسيميا؟

الثلاسيميا أو أنيميا البحر المتوسط هو أحد أمراض الدم الوراثية، ينتج عنه خلل في تكوين خضاب الدم (الهيموجلوبين)، وهو السائل الموجود في الخلايا الحمراء، ويعطي الدم لونه والمسؤول عن نقل الأكسجين لأجزاء الجسم المختلفة.

ويعود سبب الإصابة بالثلاسيميا إلى وجود خلل وراثي، والثلاسيميا لها نوعان رئيسيان، هما: نوع "ألفا" وهو الأكثر شيوعًا في البحرين، ونوع "بيتا".

 

ما الفرق بين نوعي "ألفا" و "بيتا ثلاسيميا"؟

يتكون خضاب الدم من عنصرين أساسيين، هما الحديد (الهيم) والبروتين (الجلوبلين)، والاختلاف بين نوعي "ألفا" و بيتا هو تحديد السلسلة المصابة، إذ يتكون خضاب الدم من سلسلة "ألفا" و"بيتا".

وأما بالنسبة للأعراض فتعتمد على حدة الأمراض، وأعراض الثلاسيميا متشابهة تقريبًا، منها الشحوب واليرقان (اصفرار العين) والتعب وقصور في النمو أحيانًا.

وهناك أعراض قد تأتي بسبب مضاعفات الثلاسيميا، كترقرق العظام، خصوصا في الثلاسيميا الكبرى، إضافة إلى التضخم في الطحال، ما يؤدي إلى انتفاخ البطن.

ومرضى الثلاسيميا الذين يحتاجون إلى نقل الدم بشكل دوري تتكون لديهم زيادة في مخزون الحديد، ما ينتج عنه تغير في شكل العظام، كعظام الوجه والجبين، ويمكن أن تؤثر على القلب والكبد والبنكرياس، وأحيانًا تؤثر على الجهاز التناسلي في الذكور والإناث، ولكن هذه الأعراض هي نتيجة زيادة الحديد.

وتنتج زيادة الحديد لسببين، هما أن من يعانون من الـ "بيتا ثلاسيميا" الكبرى يكون سببه نقص الحديد، وأحيانًا الـ "بيتا ثلاسيميا" المتوسطة تكون لديهم زيادة في نسبة الحديد نتيجة لهرمون (الهيبسيدين)، وهو أحد الهرمونات التي تدخل في تكوين الحديد، إذ يكون له دور في تراكم الحديد في أماكن معينة في القلب والكبد وداخل العظم، ولذلك يعطى المريض أدوية لسحب الحديد.

 

ما طرق علاج الثلاسيميا، وأين بلغ مستوى التقدم بها؟

علاج الثلاسيميا ينقسم لنوعين، الأول يتمثل في نقل الدم وإعطاء الفوليك أسيد؛ للمحافظة على مستوى الدم في الجسم، وضمان أن تكون وظائف ونمو جسم المصاب بشكل سليم، وهي علاجات ليست جذرية، فالعلاج الجذري يتمثل في زرع النخاج.

والنوع الآخر يتمثل في علاج المضاعفات التي يتم من خلالها خفض مخزون الحديد.

وسابقًا كان يعطى عن طريق الإبر، إلا أنه تطور العلاج حاليًا، إذ يتم خفض مخزون الحديد عن طريق تناول الحبوب.

وحاجة مرضى الثلاسيميا للمستشفى قليلة، فهم أكثر حاجة لوحدة الرعاية اليومية لنقل الدم حسب الجدول المعد لهم، إلى جانب العلاج المنزلي عن طريق تناول الحبوب.

 

ما الفرق بين الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي المعروف بالسكلر؟

فقر الدم المنجلي أيضًا من أمراض الدم الانحلالية الوراثية، وهو أحد أكثر أمراض الدم الوراثية شيوعًا في العالم.

والمشكلة الأساسية في الثلاسيميا تتمثل في تكوين الهيموجلوبين، إلا أن فقر الدم المنجلي يحدث لدينا تغييرا في اثنين من الأحماض الأمينية في البيتا، وتغير مكانهم ينتج نوعًا من الخضاب المنجلية وهي خضاب غير طبيعية.

والخضاب المنجلية غير طبيعية، إذا ما تعرضت لعوامل كالجفاف والحر الشديد أو البرد الشديد أو الالتهابات، تتحول من كونها سائلًا إلى جامدًا، وتغير من شكل الخلية وتتحول من وضعها الطبيعي الدائري المقعر إلى الشكل الهلالي، أو أن تقاوم الخلية الضغط فتنكسر، فتنشأ عنها مضاعفات.

أما الثلاسيميا فكمية الدم قليلة، فيما فقر الدم المنجلي لا يشترط أن تكون كمية الدم قليلة، وبالتالي هم بحاجة لنقل الدم بصفة أساسية.

ومرضى الثلاسيميا لا يعانون من نوبات ألم كمرضى السكلر، أما مريض السكلر فيمكن أن تصيبه نوبات ألم متكررة ومتلازمة الصدر الحاد والجلطات الدماغية والانحشار في الطحال.

نقطة الالتقاء بين الثلاسيميا والسكلر هو عدم النصح بالتزاوج بين المصابين بهذين المرضين أو الحاملين لهما، إذ يمكن أن ينتج عنه ولادة أطفال مصابين بمزيج من الثلاسيميا والسكلر، إذ يأخذ من الثلاسيميا صغر حجم كريات الدم وقلة أعدادها، ويأخذ من السكلر شكلها ومضاعفات السكلر كلها.

 

ما مدى صحة معلومة أن حامل الثلاسيميا تتكون لديه مناعة ضد الملاريا؟

في الفترات التي كان الملاريا فيها منتشرًا بدرجة كبيرة، وكان يعتبر أحد الأوبئة القاتلة، كانت نسبة الوفيات من السليمين والمصابين بالثلاسيميا عالية، إلا أن الحاملين بالمرض كانوا هم الذين يعيشون أكثر وكان لديهم نوع من المناعة.

وعمليًا بعد انتهاء الوباء، أكثر الموجودين كانوا من الحاملين، ولذلك عند تزاوجهم نشأت مشكلة إنجاب أبناء مصابين بالثلاسيميا.

وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى شكل خلية الدم وكمية الهيموجلوبين، ما يصعب معيشة الطفيلي الناقل للمرض فيها.

وكون الشخص حاملًا بالثلاسيميا أو السكلر، فإن خلايا دمه ليست جميعها طبيعية، فعندما يعصف الملاريا بمنطقة ما يكون الحاملون أكثر الناس حظًا للنجاة من هذا الوباء، لكن ذلك ينتج عنه أن أكثر الناجين هم من الحاملين للثلاسيميا أو السكلر، فينتج عن التزاوج بينهم ارتفاعًا في الإصابات.

 

ما النصائح التي توجهها لمرضى الثلاسيميا لنظام حياة صحي؟

يحتاج مريض الثلاسيميا إلى الرعاية المتكاملة، فلا بد أن تكون لديه متابعة مع اختصاصي أمراض الدم الوراثية، وأن يأخذ أدويته ويجري تحاليل الدم بشكل دوري، وتناول أدوية التخلص من الحديد الزائد في حال كان لديه ترسبات.

ولكن الأمر الأهم من ذلك، هو الوقاية، من خلال التخطيط للحياة المستقبلية وإجراء الفحوصات المسبقة.

البحرين من الدول المتقدمة، والتجربة البحرينية رائدة في الفحص، إذ تقوم الدولة بالفحص في أكثر من مرحلة من مراحل عمر الشخص.

وبالنسبة للفحص فهو دقيق جدًا، ولا يتم الاعتماد عادة على تحليل واحد، وإنما يتم عمل تصوير لخلايا الدم، وفي حالات نادرة يتم إجراء الفحص الجيني، إلا أنه مكلف نوعًا ما.

 

بماذا تنصح الأهالي الذين يرعون أطفالًا مصابين بالثلاسيميا؟

يجب فهم أعراض الحالة والمرض، والأب والأم لابد أن تكون لديهما معرفة بهذا المرض وأعراضه وخطورته.

إضافة إلى ذلك لابد من الاهتمام بمسألة بحث إمكانية تجنب الإنجاب بشخص آخر مصاب بثلاسيميا، كعمليات انتقاء الأجنة.

والبحرين عمومًا لديها إلزامية الفحص قبل الزواج، إضافة إلى حملات التوعية التي ساهمت في خفض مواليد السكلر من 4 % إلى 0.3 % على مدى سنوات، وعليه فإن نسبة الإصابة بهذا المرض أصبحت قليلة بفضل تلك الجهود.

والانخفاض قام على أساس نسبة الوعي والتعليم والفحص، والوعي دائمًا أفضل من الجبر، وذلك يعود إلى أن المجتمع البحريني واعٍ ومتعلم وطيع للتغيير.

لذلك، فإن تجربة البحرين رائدة في خفض نسبة المصابين والوفيات، وهي باتت مثالًا يحتذى به.

 

ما إمكانية تحول الحامل للثلاسيميا إلى مصاب، وهل تظهر عليه بعض الأعراض؟

الحامل لا يمكن أن يكون مصابًا، لأنها مسألة جينية، وأما بالنسبة للأعراض فهي أعراض مخبرية فقط.

عمومًا، من يشعر بالأعراض من مرضى الثلاسيميا ويحتاجون لنقل للدم عادة هم من لديهم نقص في 3 جينات في نوع "ألفا" ثلاسيميا، إضافة إلى من يعانون من "بيتا ثلاسيميا" الكبرى.

فحامل المرض لا يتحول مصابًا بالمرض، وغالبًا لا تظهر لديه أعراض، وكل ما يحتاجه هو اختيار شريك حياة سليم.

 

إلى أين وصلت الأبحاث العلمية لإيجاد علاج جذري للثلاسيميا بديلًا عن زراعة النخاع؟

العلاج الجيني هو من العلاجات المستقبلية، وتم البدء بإجراء دراسات وتجارب ناجحة على مرضى السكلر، وأما بالنسبة للثلاسيميا فما زالت الدراسات قليلة.

عمومًا، الوقت ما زال مبكرًا أمام إشاعة استخدام هذه التقنية؛ لكونها تقنية دقيقة، وتكلفتها عالية تقدر بنحو مليون دولار لكل مريض، وبالتالي هي بحاجة للوقت حتى تنتشر وتنخفض تكلفتها.