التصلب المتعدد ليس "بسحر ولا "عين
رئيس مجلس إدارة الجمعية البحرينية لمرضى التصلب المتعدد نهلة أبو الفتح
في زمان اختلطت فيه الأقاويل والتكهنات وبدأ الجهل يسيطر على التفكير، فظن الجميع أن التصلب العصبي المتعدد نوع من الأمراض العقلية التي توهم المريض بأعراض متنوعة ومختلفة تنتشر في مختلف أنحاء جسده، فتارة يبكي من صداع عظيم، وتارة يشتكي من تنميل في اليدين.. ثم تقفز الأعراض للعين! هكذا تحدثنا رئيس مجلس إدارة الجمعية البحرينية لمرضى التصلب المتعدد نهلة أبو الفتح، لتكمل مقدمتها بالقول إن الطب خرج بصرخة مدوية ليعلن أن التصلب العصبي المتعدد ليس بسحر ولا عين، ليس مس جان، بل هو مرض له أعراض مختلفة تتنوع بين التنميل والحرارة بالجسد، إلى النسيان وفقدان الإحساس.. فما هو التصلب الذي تعصّب وتعدد؟
مرض التصلب العصبي المتعدد، أو التصلب اللويحي، وباللغة الإنجليزية MS اختصارا لـ (multiple sclerosis) هو مرض من أمراض التحصين الذاتي، أي أن جهاز المناعة يصبح عدائيًا للجسم ويهاجمه، وهو من أكثر الأمراض شيوعًا التي تصيب الجهاز العصبي المركزي المكون من الدماغ والحبل الشوكي، ويحدث المرض لأسباب غير معروفة، إذ يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة المحيطة بالأعصاب في الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب البصرية، وهذه الأنسجة مكونة من مادة دهنية تسمى المايلين وظيفتها عزل الأعصاب ومساعدتها على نقل الإشارات العصبية المسؤولة عن الحركة والحديث وغيرها من الوظائف، فعندما تُدمر أنسجة المايلين لا تنتقل الإشارات العصبية بشكل صحيح.
المناعة ضد الأجسام الغريبة
تتطرق أبو الفتح إلى أنه حتى يومنا هذا لم يُعرف السبب وراء المرض، ويحتمل أن الضرر الذي يحدث للميلانين في مرض التصلب العصبي المُتعدد سببه رد فعل غير طبيعي لمناعة الجسم التي تحمي الجسم من الأجسام الغريبة (البكتيريا والفيروسات)، كما أن العديد من صفات مرض التصلب العصبي المتعدد تدل على أنه مرض ذاتيّ المناعة، ولكن من الملاحظ أن معظم المرضى قد عانوا من ضغوط نفسية وقلق أدى إلى ظهور الأعراض الأولى من المرض، لكن ليس بالضرورة إصابة المريض بكل هذه الأعراض إلا أنه من الأفضل التعرف عليها لأن المرض متقلب! كيف؟ إن الأعراض التي تظهر تعتمد على المنطقة المصابة في الجهاز العصبي المركزي، فكل مصاب يعتبر حالة خاصة وليس هناك نمط معين للمرض، فالاختلاف يكون في مدى شدة الالتهاب ومدته. ومن أعراضه مشكلات بصرية: رؤية غير واضحة (ضبابية وازدواجية في الرؤية)، والتهاب العصب البصري، وحركات العين السريعة غير الإرادية، وفقدان البصر (نادر جدًا)، أما مشكلات التوازن وتناسق الحركات فمنها فقدان التوازن ورعاش «رجفان لا إرادي»، وترنح «اللاانتظام في المشي»، دوار وعدم التناسق في الحركات خصوصا في الأطراف، وضعف لاسيما في الساقين عند المشي.
وتحدث تغيرات في طبيعة العضلة (ارتخاء وتقلص) وتصلب العضلة، ما قد يؤثر على الحركة والمشي، وتغيرات في الحس العصبي: إحساس بالوخز وتنمّل، إحساس بالحرقان، آلام في الوجه وآلام في العضلات، أما صعوبات النطق فتشمل النطق البطيء والتلعثم والنطق بغير وضوح (تتداخل الكلمات والحروف بعضها ببعض)، واختلاف في اتزان/ تواتر النطق، وعسر البلع، ويصاب المريض بإرهاق عام يضعف الجسم ويكون غير متوقع وغير مناسب للنشاط الذي قام به الشخص، ويعتبر الإرهاق من أكثر الأعراض شيوعًا ومن أكثرها إزعاجًا للمريض، علاوة على مشكلات البول والحاجة للتبول بين فترات قصيرة، وأحيانا الحاجة الفورية للتبول، وعدم تفريغ المثانة كاملًا.
علاجات تخفف المرض وتعين المريض
سألنا عن العلاج، على الرغم من عدم وجود علاج شاف تمامًا كما تلفت أبو الفتح، ولكن هذا لا يعني أبدا أنه لا يوجد علاجات تخفف من المرض وتعين المريض على أعراضه، فالهجمة أو الانتكاسة، إذا كانت خفيفة الوطأة وأعراضها محتملة، قد تستجيب للراحة لمدة يوم أو يومين، مع شرب السوائل الكافية الباردة، وتبريد جو الغرفة، وكثير من المرضى إذا اتبعوا ذلك في بداية الهجمة تتحسن أعراضهم، أما اذا كانت الهجمة شديدة فيعطى المريض جرعات من الكورتيزون، وتختلف طريقة إعطائه حسب الطبيب المعالج، ولكن معظم الأطباء يعطونه لمده 3-5 أيام بالوريد. والكورتيزون يسرع من شفاء الهجمة، ويخفف من حدتها، ولا يسبب إعطاء الكورتيزون لمدة زمنية قصيرة أي مضاعفات كالتي تحدث مع أخذه لمدة طويلة.
وهناك علاجات دائمة عبارة عن حقن وريدية أو حقن تعطى مع المغذّي، بالإضافة إلى أقراص مشابهة في مكوناتها مع الحقن، وهذه العلاجات تعمل على كبت الجهاز المناعي في الجسم لتمنعه من مهاجمة نفسه، فهي تخفف من عدد الهجمات وتخفف حدتها، ولكن في الوقت ذاته تعرّض الجسم للأمراض بسبب ضعف المناعة.
متطلبات رعاية المرضى
توضح نهلة أبو الفتح أن علاج مريض التصلب يتطلب فريقًا من الأطباء والاختصاصيين لضمان أفضل الرعاية الصحية، فطبيب الأعصاب هو الذي يشخص المرض ويحدد العلاج المناسب للمريض، وممرضة التصلب المتعدد هي ممرضة متخصصة وعلى دراية تامة بالأعراض تقدم المشورة والمعلومات للمريض وأسرته، وكذلك المعالج المهني، حيث يحتاج المريض إلى حلول عملية لتساعده على الحفاظ على الاستقلالية والإنتاجية، سواء كان موظفا أو بالمنزل، ولذلك تم الاستعانة بالمعالج المهني ليساعد المريض على التأقلم مع البيئة المحيطة به، أما اختصاصي العلاج الطبيعي فيتولى تقييم حركة المريض وتقديم النصائح له. وقد يحدد له برنامجا للتمارين للحفاظ على المرونة واللياقة، كما يرشد المريض لكيفية التحكم في الألم والتعب، فيما للاختصاصي الاجتماعي دور مهم، إذ يؤثر التصلب العصبي المتعدد على العاطفة ولذلك فالاختصاصي الاجتماعي هو الذي ينصح المريض في كيفية التعامل مع القلق والاكتئاب، كما أنه يقدم النصح والإرشاد في حال تردد المريض عند اتخاذ القرارات.
ويحتاج العلاج للاختصاصي النفسي، فهو خبير في عملية التفكير وكل ما يؤثر على العقل من اضطرابات بالذاكرة، فتتم الاستعانة به لتقديم المساعدة للمريض للتعايش مع المرض بصورة طبيعية إيجابية، وكذلك لاختصاصي التغذية دوره الأساس، إذ للغذاء دور كبير في صحة المريض، فالطعام المتوازن يعزز الصحة، وقد ينصح الاختصاصي بنظام غذائي متوازن قليل الدهون غني بالألياف، يقلل الإجهاد والإمساك، وقد يساعد الاختصاصي على تحديد الغذاء المناسب في حال ظهور مشكلات في البلع، ولابد كذلك من طبيب العيون، فأول أعراض المرض هو مشكلة في البصر، فتتعدد الأعراض بين الضبابية والشعور بالألم أحيانا، ولذلك يستطيع طبيب العيون المشاركة في تشخيص المرض مبدئيا بالإضافة لتحديد نسبة الإبصار.
كيف يتعايش المريض مع مرضه؟
أولى النقاط المهمة في التعايش مع المرض كما ترشد أبو الفتح، هي التخطيط المهم في الحياة، فعلى مريض التصلب المتعدد ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي إضافة إلى التخطيط للمستقبل. وكلما بحث عن المرض وتعرف عليه عن قرب كلما كان أكثر اطمئنانًا وإيجابية.. إن التفكير بإيجابية يقلل التوتر، وتمارين التنفس وتجنب الإرهاق والاستمتاع بالراحة والاسترخاء يساعد المريض على الاستقرار والهدوء النفسي. ولابد من التواصل مع أفراد الأسرة وشرح أعراض المرض، ما يسهّل من تفهم الأسرة لحالة المريض وتقبل ظروفه الصحية بكل ترحاب، كما أن الحساسية الزائدة من الحرارة قد تسبب تدهورا مؤقتا وظهورا للأعراض، كالاضطرابات الإدراكية والعاطفية وضعف الذاكرة المؤقت وفقدان القدرة على التركيز أو الحكم الصحيح أو المنطق. وقد تكون بعض الأعراض واضحة جدًا وبعضها الآخر كالإرهاق والحساسية للحرارة والاضطرابات الإدراكية والعاطفية قد تكون مخفية، ويواجه المريض صعوبة في وصفها للآخرين.
حقوق المرضى.. نقاط مهمة
هناك قضايا تهم المريض ولابد من الالتفات إليها، وتشمل التعليم والعمل، ويحتاج المرضى من فئة الطلبة بكل المراحل الدراسية إلى معاملة خاصة أسوة بتجارب الدول الغربية، كاتباع نظام خاص للغياب والانقطاع عن الدراسة بسبب ظروف المرض، فطلب العلم حق مشروع للجميع، أما بالنسبة للموظفين فيتطلب تغيير نظام عملهم إن كان يتطلب وجودهم خارج المكتب في الطقس الحار، وتقليل ساعات العمل أسوة بغيرهم من المرضى ذوي الحالات الخاصة، كما يجب إعادة النظر في التقارير الطبية التي تقدم لجهات العمل ودراستها بعناية، فإن كانت حالة المريض متقدمة والأعراض في ازدياد فالتفكير في التقاعد المبكر يعد الأفضل مراعاة لحالته الصحية.