العدد 5665
الخميس 18 أبريل 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
التنحيف الثقافي
الخميس 18 أبريل 2024

قرأت مؤخرا مقالة يشير فيها كاتبها إلى أن “العديد من مقالات الرأي المنشورة في الصحافة العربية، تميل إلى الإغراب والتعقيد، ولا تخاطب القارئ العادي، بل يبدو أنها تخاطب نوعا من النخبة، لذلك ليس مكانها الصحافة اليومية”! وأسدى الكاتب المحترم نصيحة لكتاب التعقيد: “أرجو أن تنزلوا في الكتابة درجة أو درجتين، اكتبوا مثلا عن الازدحام المروري ومشكلة الخدمات والغلاء والبطالة، وغير ذلك من الموضوعات التي تهم الناس، أما ما تكتبونه عن الحداثة وما بعد الحداثة والتفكيك والتفكيكية، فقد يهمكم أنتم ولكنه لا يهم القراء!”. باختصار إنه يدعو إلى إعادة النظر فيما يكتبه المثقف كمحتوى ولغة أو مغادرة صفحات الصحف، لتركها لكتاب الخدمات.. فالمطلوب مراجعة موضوعات الكتابة وأسلوبها لتكون قريبة من الناس ولغتهم وانتظاراتهم، وإلا فإن الكاتب يظل خارج المساحة التلقي. هذه النصيحة قد تدفع إلى التساؤل: ألهذه الدرجة لم يعد البعض قادرين على بذل أي جهد للتلقي، نتيجة غلبة ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي التي طغت وتعاظمت وأصبحت لغتها النسيج المرجعي الأكثر تأثيرا؟ ألهذه الدرجة أصبحنا عاجزين عن فكّ شفرة بعض الأسطر التي تكتب في سياق تحليل فكرة أو حادثة؟
فبعد أن كنّا نتوق لتجارب إعلامية تفسح المجال للمثقفين والمفكرين والأدباء والكتاب، أصبحنا نبحث عن مادة إعلامية، مرفق بها دليل استخدام أو قاموس لـ “شرح الكلمات” أو بهوامش لتفسير الأفكار وبعض المفردات التي يستعصي على بعض المتلقين استيعابها؟! لو أن الأمر اقتصر على القارئ العادي البسيط، ضمن هذا الجدل لهان، أما أن يأتي الاحتجاج من بعض الذين نعتبرهم كتابا، فهذا يعني أن هناك خللا ما، في مكان ما! إن النصّ المفتوح يطارد العقول المنفتحة والمتلقين الملقحين ضد البلادة واللامبالاة والاستقالة لأتفه الأسباب. ويغازل المتلقي المنفتح الذي يتلقى الكتابات والمقالات الخارجة للتو من عمق المعاناة أو التجربة أو النظر الفكري والثقافي الإبداعي، ليحلل وربما ليعقب ويجادل ويناقش، وليعمق الطرح، وليسهم في خوض وقائع رفض الوقوف عند حافة الأبواب المخلوعة، ورفض التكلس والجمود والتحجر والتبسيط الذي يسهم في نشر ثقافة التفاهة. وللحديث صلة.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية