العدد 5696
الأحد 19 مايو 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
المتطوعون... مزهريّات ومحترفون
السبت 02 أبريل 2022

يُحاسب‭ ‬العامل‭ ‬على‭ ‬غيابه‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬العمل،‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬تأخيره‭ ‬أيضاً،‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬عقده‭ ‬مع‭ ‬صاحب‭ ‬الشركة‭ ‬ووافق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الشروط‭ ‬والالتزامات،‭ ‬كما‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬المترتبة‭ ‬له‭ ‬وعليه،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بذلك‭. ‬

في‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬رسمي‭ ‬يلزم‭ ‬الأطراف،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬العقود‭ ‬كلماتنا‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬منا،‭ ‬وأفعالنا‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عنا،‭ ‬ومدى‭ ‬التزامنا‭ ‬بالأعمال‭ ‬التي‭ ‬توكل‭ ‬إلينا،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬نقوم‭ ‬بالتصدي‭ ‬لها‭. ‬

التزاماتنا،‭ ‬مواثيق‭ ‬شرف‭ ‬نتعهد‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬أنفسنا‭ ‬لننجزها‭ ‬بأفضل‭ ‬صورة،‭ ‬والفرق‭ ‬كبير،‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬نلتزم‭ ‬وفق‭ ‬بنود‭ ‬رسمية‭ ‬قد‭ ‬تنتهي‭ ‬بانتهاء‭ ‬المهمة‭ ‬ورابط‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وبين‭ ‬أن‭ ‬نلتزم‭ ‬بمحض‭ ‬إرادتنا‭ ‬وفق‭ ‬قناعة‭ ‬ذاتية‭ ‬وهدف‭ ‬يسمو‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات،‭ ‬هدف‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬وعطاء‭ ‬ومحبة‭.  ‬

هذا‭ ‬الفرق،‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬متطوع،‭ ‬فقد‭ ‬نذر‭ ‬هذا‭ ‬المتطوع‭ ‬نفسه‭ ‬لخدمة‭ ‬الآخرين‭ ‬وتقديم‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬لهم،‭ ‬وكان‭ ‬الدافع‭ ‬الداخلي‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬التحق‭ ‬بهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬التطوعية‭ ‬وتلك،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬أحداً‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬مجال‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬متعته‭ ‬وشغفه‭ ‬في‭ ‬تفاصيله‭. ‬

المتطوع،‭ ‬مخلص‭ ‬في‭ ‬هدفه،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬اعتدنا‭ ‬ودأبنا‭ ‬في‭ ‬تلقيه‭ ‬كونه‭ ‬من‭ ‬أبجديات‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬والمتطوع،‭ ‬يسعى‭ ‬جاهداً‭ ‬لتنفيذ‭ ‬التزاماته‭ ‬بالقدر‭ ‬المطلوب‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المطلوب،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسلط‭ ‬عليه‭ ‬الضوء‭ ‬وإثارته،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تعارض‭ ‬حب‭ ‬التطوع‭ ‬مع‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬الالتزامات‭ ‬؟‭!‬

هل‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬فقط،‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬مع‭ ‬المجموعة‭ ‬دون‭ ‬عمل،‭ ‬كأن‭ ‬نقول‭ ‬“ريحته‭ ‬ولا‭ ‬عدمه”،‭ ‬أو‭ ‬نبقى‭ ‬فقط‭ ‬لنكمل‭ ‬صورة‭ ‬الهيكل‭ ‬الإداري‭ ‬ونزيد‭ ‬من‭ ‬الأعداد‭ ‬الوهمية،‭ ‬كأن‭ ‬نكون‭ ‬ممثلين‭ ‬لدور‭ ‬“مزهرية‭ ‬الورود”‭ ‬التي‭ ‬تجمّل‭ ‬الصورة‭ ‬و”ديكور”‭ ‬المكان‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬أو‭ ‬نعترف‭ ‬بتقصيرنا‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نبين‭ ‬لأنفسنا‭ ‬حب‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬بالقول‭ ‬فقط‭. ‬

يمكن‭ ‬للعمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيماً،‭ ‬لو‭ ‬التزمنا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بالحدود‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬الالتزام‭ ‬الأدبي‭ ‬المترتب‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجموعات‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬غير‭ ‬متناسين‭ ‬مشاغل‭ ‬الحياة‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحد‭ ‬أو‭ ‬تسلب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬والحضور‭ ‬التطوعي‭ ‬باختلاف‭ ‬أنواعه‭. ‬

لا‭ ‬شك،‭ ‬ودون‭ ‬منازع،‭ ‬تأخذ‭ ‬دورة‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬أوقاتنا‭ ‬الكثير،‭ ‬بين‭ ‬دراسة‭ ‬ووظيفة‭ ‬والتزامات‭ ‬عائلية‭ ‬وأعمال‭ ‬حرة‭ ‬والأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬التطوع‭ ‬هامشياً‭ ‬وربما‭ ‬معدوماً‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص،‭ ‬الذي‭ ‬بالكاد‭ ‬يفكر‭ ‬الفرد‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬مادياً‭ ‬لبعض‭ ‬المحتاجين،‭ ‬ويتغافل‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬المجتمعي‭ ‬المهم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬المحاسبة‭ ‬والجزاءات‭ ‬التنظيمية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬بهدف‭ ‬التحفيز،‭ ‬أمر‭ ‬وارد،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يصل‭ ‬لهذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬تجده‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬“احتراف”‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬ويدعو‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬وصلابة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬تنتهج‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أعضائها‭ ‬المتطوعين،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬محترف‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭. ‬

نقطة‭ ‬أخيرة،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬لائمة‭ ‬على‭ ‬المشغولين‭ ‬والمنشغلين،‭ ‬وربما‭ ‬المنقطعين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬لسبب‭ ‬ولآخر،‭ ‬ولكن،‭ ‬من‭ ‬يبادر‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬بإرادته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬حباً‭ ‬وتقديراً‭ ‬منه،‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬بدوره‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬عوائق‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬التزامه‭.  ‬

صادق‭ ‬أحمد‭ ‬السماهيجي

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .