+A
A-

الأول من نوعه... “التمييز” تنقض حكما لـ “تسوية المنازعات”

قال المستشار القانوني والمحكم الدولي محمد رضا بوحسيِّن إن محكمة التمييز أصدرت ولأول مرة منذ تاريخ إنشائها حكما نقضت فيه حكما قضائيا صادرا من غرفة البحرين لتسوية المنازعات، مبينا أن هذا الحكم يعد هو الأول من نوعه منذ تاريخ تأسيس الغرفة، فهو الحكم الأول من نوعه من حيث المضمون والتأصيل القانوني والتكييف الذي يكشف عن فهم متخصص لِكُنْه طبيعة النزاع، إذ جاء حكم محكمة التمييز انتصارا لحق الطاعنة الثابت بالأوراق وإرساء لمبدأ جديد؛ ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى للطاعنة بمبلغ 250 ألف دينار تعويضا ماديا عن جملة الأضرار التي لحقت بها نتيجة إنهاء المطعون ضدها الأولى لعقد الوكالة التجارية بمبلغ التعويض دون باقي المطعون ضدهم، في حين أن ما قدره الحكم من تعويض لا يتناسب مع الأضرار التي لحقت بها نتيجة إنهاء عقد الوكالة التجارية التي قدرها الخبير بمبلغ 11 مليونا و926 ألف و933 دينارا.
وأفاد بأن الخبير أوضح في تقريره جملة تلك الأضرار وأخصها قيام الطاعنة بإنشاء معرض كبير للسيارات وتوفير مخزن لقطع غيار السيارات ومراكز إصلاح وصيانة للسيارات علاوة على أجور العمال والموظفين والعاملين لديها بالمستودعات وما تكبدته من مصروفات تدريبهم ونفقات الحملات الدعائية، فضلا عن قيمة قطع الغيار الموجودة بمخازنها، والتي رفض المطعون ضدهم شراءها منها خلافا للمادة (22) من القانون رقم 10 لسنة 1992 بشأن الوكالة التجارية، وكذا أجور ومرتبات الموظفين والعمال ومستحقاتهم العمالية التي صرفت لهم بعد إنهاء عقود عملهم لعدم الحاجة إليهم.
لكن الحكم المطعون فيه اكتفى بإلزام المطعون ضدها الأولى بمبلغ التعويض المحكوم به دون باقي المطعون ضدهم؛ لما ذهب إليه من أن الشركتين المطعون ضدهما الثانية والثالثة هما شركة واحدة، وأن المطعون ضدها الأولى لم تقم ببيع كامل أصولها ولم تندمج مع المطعون ضدها الثالثة، وأن الأخيرة لم تنتج ذات المنتج محل عقد الوكالة رغم أن الثابت قيام المطعون ضدها الأولى ببيع كامل أصولها ومصانعها وشبكات مبيعاتها إلى المطعون ضدها الثانية وتم تأسيس شركة جديدة وهي المطعون ضدها الثالثة بموجب اتفاقية التعامل الأساسية المؤرخة في 30 أبريل 2000.
وقالت محكمة التمييز في حيثيات حكمها إن المشرع البحريني بموجب المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 1992 بشأن الوكالة التجارية لم يخرج بالوكالة التجارية عن طبيعة الوكالة بصفة عامة باعتبارها عقدا غير لازم، ما مقتضاه أن يكون للموكل سحب الوكالة وللوكيل التنحي عنها في أي وقت سواء كان العقد محدد المدة أم غير محدد المدة، بما مؤداه أن سحب الوكالة التجارية أو التنحي عنها يتم بالإرادة المنفردة للموكل أو الوكيل في أي وقت ولو لم يوجد المبرر لذلك، وكل ما يترتب للطرف الآخر هو حقه في التعويض إن كان له مقتضى، على أنه إذا كان عقد الوكالة التجارية غير محددة المدة وكان إنهاؤه من جانب الموكل، فقد حق للوكيل المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر لاحق جراء ذلك الإنهاء، بالإضافة إلى الكسب الفائت إذا كان نشاط الوكيل أدى إلى نجاح ظاهر في ترويج منتجات الموكل أو ازدياد عدد عملائه وحال الإنهاء دون حصوله على الربح أو العمولة من وراء ذلك النجاح.
وأضافت أنه ولئن كانت المحكمة لا تتقيد برأي الخبير المنتدب في الدعوى لتقدير أمر ما ولها أن تطرحه وتقضي بناء على الأدلة المقدمة في الدعوى متى وجدت فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها، فإن شرط ذلك أن تكون هذه الأدلة كافية لقضاء الحكم الذي خلص إليه وإلا كان حكمها باطلا.
وتابعت: لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح تقرير الخبير المنتدب لما ذهب إليه من أن تقديراته مغالى فيها وجزافية ومحتسبا إياها حتى سنة 2013 وبانيا تقديراته على افتراضات مستقبلية كما لم يقم بجرد قطع الغيار ومطابقتها بفواتير الشراء، وخلص إلى تعويض الطاعنة بمبلغ 250 ألف دينار عما أصابها من خسارة وما فاتها من كسب مالي، فضلا عما أدى إليه نشاطها ومجهودها في زيادة مبيعات المطعون ضدها الأولى دون أن يبين مصدره، والذي اعتمد عليه في هذا التقدير كي يمكن المحكمة من مراقبته في تطبيق القانون، ولا يشفع له في ذلك قوله أن المحكمة هي الخبير الأعلى، ذلك أن المسائل الفنية التي تستعصي على المحكمة يتعين أن تترك لذوي الاختصاص وذلك تحت رقابة القضاء، فإن الحكم إذ التفت عن هذا الطلب بمقولة خطأ المذكورة فضلا عن اختلاف المنتج السابق عن المنتج الجديد محل الوكالة التجارية، دون أن يبين مدى صحة هذا الدفاع ووجه الخطأ الذي وقع منها، ومصدره الذي بني عليه فإن ذلك يعد قصورا تعجز المحكمة عن مراقبته لصحيح القانون مما يتعين معه نقضه على أن يكون مع النقض والإحالة.