+A
A-

أصحاب المطاعم الشعبية ناشرو ثقافة شعبهم

((تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الالكترونية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية ، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الاشارة للمصدر.))

 

كشفت الباحثة في مجال الثقافة الشعبية دلال الشروقي وصاحبة أول كتاب في المكتبة البحرينية يغوص في سبر ثقافة الطعام، عن أن الطعام وكعنصر من العناصر الوطنية للتراث الثقافي غير المادي، وكوجه من وجوه التراث البحريني وثقافة إنسانية وتاريخية وجغرافية تتميز بها الحضارات الإنسانية، يتشكل عنصرا مهما من تراث البحرين الثقافي غير المادي، مؤكدة أن الطعام شكل جسرا للتواصل والتعارف بين الأمم، وانتقل الطعام والأطباق الشعبية كسفير بغير سفارة لينقل التراث الإنساني المترابط في المعمورة.

جاء ذلك في استضافة متحف البحرين للباحثة الشروقي في فعاليات الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي، والذي نظمت هيئة البحرين للثقافة والآثار، بحضور ومشاركة المدير العام للثقافة والفنون بالهيئة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، ومدير إدارة الآثار والمتحف بالهيئة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، واختتم أعماله أول أمس بمتحف البحرين، وألقى الضوء على عناصر من التراث الثقافي البحريني غير المادي والقابلة للإدراج على القائمة التمثيلية، وناقش سبل صونها والترويج لها وإدراجها على القائمة التمثيلية لليونيسكو.

وأشادت الباحثة الشروقي، بكل جهود رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بهذا الجانب المهم من التراث البحريني عموما، والتراث البحريني الثقافي غير المادي، وسعي الشيخة مي وعملها الدائم لإيصال رموز التراث البحريني إلى قائمة اليونسكو، مؤكدة أن إقامة الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي، جاء بحراك ثقافي من الشيخة مي بنت محمد في ظل تصاعد أهمية زيادة الوعي لدى الباحثين والمهتمين في مجال التراث باتفاقية منظمة اليونسكو للعام 2003، والخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي.

وصادقت مملكة البحرين على هذه الاتفاقية، إذ تشكل اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي آلية دولية فعالة لصون وترويج التراث الثقافي البحريني، مؤكدة أن هذا يصب في جهود هيئة الثقافة المتواصلة لاستيفاء التزامات البحرين تجاه الاتفاقات الدولية لدى اليونيسكو، مؤكدة أن الملتقى والذي شارك فيه أكثر من 100 مختص وخبير وباحث ومهتم في مجال التراث الثقافي غير المادي، مشيرة لقد كان المؤتمر فرصة لإلقاء الضوء على العديد من النماذج الحية للتراث الثقافي البحريني غير المادي والطرق الفاعلة لإدراجها على القائمة التمثيلية.

مائدة ثقافية

وفي محاضرتها، قدمت الباحثة في التراث الشعبي دلال الشروقي “مائدة ثقافية دسمة” تزخر بما لذ وطاب من فنون الطعام وعلومه وآدابه، واستعرضت “الطعام” كمفهوم خاص له أبعاد إنسانية تاريخية جغرافية تتميز بها كل حضارة وفقًا لثقافة البلد التي تنتمي إليه، متطرقة إلى فن الطبخ العربي وما يملكه من خصوصية جعلت منه إرثًا إنسانيًا تتناقله الأجيال على مر العصور.

معتقدات غريبة

ولم تغفل الباحثة الشروقي عن سرد أهم وأغرب المعتقدات والعادات التي مارستها العرب قديمًا فيما يتعلق بتناول الطعام، إضافة إلى ذكر عدد من أصناف الأطعمة والمشروبات التي اشتهرت بها البلدان العربية ودلالاتها الرمزية كالتمر والقهوة العربية والعادات والتقليد المرتبطة بها، لتتناول في نهاية المحاضرة حجم التغيير الذي طرأ على فلسفة الطبخ أخيرا والدور المهم لأصحاب المطاعم والمقاهي في الحفاظ على الهوية الأصيلة المتمثلة في الأطباق التراثية التي تميزت بها مملكة البحرين والترويج لها خارجيًا، لاسيما في ظل وجود وسائل الاتصال الحديثة.

الطعام ثقافة

وبخبرة متراكمة لمتخصصة وفاعلة للشروقي في هذا الجانب، ومنذ أن كان لها دور ريادي في إثراء مهرجان “الطعام ثقافة” الذي نظمته الهيئة سابقا، وكانت أحد أهم المحاضرين فيه؛ لما تمتلكه من خبرة وثقافة وإطلاع واسعين في هذا الجانب ليس على مستوى البحرين ودول الخليج وإنما على مستوى الوطن العربي والعالم، فقد عملت على أن تدعم مؤلفها الأول بالطعام، والذي يعد إضافة متميزة للمكتبة البحرينية والخليجية والعربية والأجنبية، في ظل جهودها للسفر حول العالم والاطلاع على فلسفات الطعام والمطابخ الشعبية والأطباق الشعبية، والعادات والتقاليد التي ربطت شعوب العالم بطعامها، ليكون نصها الإبداعي في هذا الجانب، وهو باللغة الإنجليزية، دليلا ومستندا للعديد من الخبراء والباحثين في هذا المجال، وفي ظل التغييرات الجذرية التي يعيشها العالم في إعداد وتقديم الأطباق والوصفات بطرق حديثة، مبينة أن العديد من الأطباق في البحرين والخليج تم تسخيرها وفقا لأذواقنا وعاداتنا الغذائية ومناسباتنا الدينية والاجتماعية.

علم الأنثروبولوجيا

وأشارت الباحثة دلال الشروقي، إلى أنه هنا يبرز دور السيسيولوجيا، وهو كما يعرف في معجم المعاني بأنه علم يدرس المجتمعات الإنسانية والمجموعات البشرية وظواهرها الاجتماعية، مبينة أن لكل حضارة رئيسة أشكالها ونمطها، فمثلا أنماط الطعام في اليمن أو السعودية أو العراق أو بلاد الشام تختلف نتيجة لانعكاسات البيئة بسبب الاختلاف الطبيعي، منوهة إلى أن الحياة اليومية للمجتمعات المختلفة والبيئة الجغرافية لكل مكان رغم اختلافاتها تلتقي في أصولها وأسسها، فالأكل والشرب حاجة، والنوم حاجة والملبس حاجة، لكن الحاجة إلى الطعام جعلت الإنسان يتفنن في أساليب الطبخ بتلقائية تعزز له هويته، فهو ابن بيئته سواء بخصوبتها أو بجدبها، وبإبداع شخوصها ومجتمعاتها وتطويعها لما يلائم مع المواسم المناخية والدينية، فابتكروا الطقوس وقدموا القرابين واحتفلوا بالأعياد والمناسبات.

الأطباق الشعبية

وأوضحت دلال أن من المناسبات التي تفرد لها أطباق شعبية “رمضان، القريش، العيد، ريوق العيد، غدا العيد، قدوع العيد” والمناسبات الدينية مثل عاشوراء والمواليد والنذور وتثويب ليالي القدر، غتفرش السفر حسب المناسبة الدينية مثل “المولد النبوي، سفرة العباس، سفرة الصادق، وسفرة زكريا” وقد يصاحبها نوع من فنون الإنشاد الديني المقبول أو القراءات الدينية، مشيرة إلى أنه اجتماعيا فقد لعب الطعام دورا في إيجاد العديد من الكلمات والأمثال والتشبيهات الخاصة بالطعام، كما يزخر التراث العربي بالعديد من القصص والحكايات والأهازيج الخاصة بالأطعمة التي يتناقلها الباعة الجائلون من جيل إلى جيل خصوصا في الأماكن الشعبية والأسواق القديمة.

ونظرا للمساحة الشاسعة للوطن العربي كان من الطبيعي أن تتشابه أسماء الأطعمة أحيانا، وتظهر أسماء مختلفة للطبق الواحد، فمثلا طبق العاشورا في ليبيا يسمى هريسة، ويعد بنفس الطريقة التي يعد بها في مصر والسودان، وأما الهريسة في تونس فهو مزيج من الفلفل الأحمر وفي الأردن طبق حلاوة شرقية، وفي الخليج تعد الهريسة من اللحم والقمح والسمنة.

العرب والمطيبات

ونوهت الشروقي إلى أن العرب كان لديهم إصرار فريد على النظافة وأمورها، وأضافوا التوابل العطرية والمطيبات وكل مادة حلوة الرائحة مثل: ماء الزهر والزعفران، مردفة أن العرب يجتمعون في الكثير من الطقوس كالأعراس والولادة ومراسم الدفن والمناسبات الاجتماعية مثل كالختان وليالي الحناء والضيافة وتقديم القهوة والحصاد وحفظ الأطعمة.

الطعام العربي والتأثيرات الخارجية

وتوضح الشروقي أن الطعام والمطبخ العربي تأثر بالبلدان التي حوله، كما هنالك تأثيرات خارجية أثرت على الطعام العالمي منذ اكتشاف القارة الأميركية في القرن السادس عشر، مثل الذرة والطماطم والكاكاو والفول السوداني والفلفل وجميع أنواعه، أما تأثيرات القارة الهندية على الطعام العربي، فهو جذب الباذنجان والبامية والتمر الهندي، ومن الشرق الأوسط دخل البرتقال والليمون والزيتون.

المطاعم تنقل الثقافة

وأكدت الشروقي أن أصحاب المطاعم الشعبية هم ناشرو ثقافة شعبهم، فإذا أردنا أن نعرف ثقافة شعب ما فإنه يلزمنا أن ندخل من خلال أغذيتهم وفنونهم؛ لأن لكل بلد أطباق لمناسباتهم أو لطقوس دينية أو اجتماعية عندهم.

البحرين والمطاعم الشعبية

وأكدت الباحثة الشروقي أن البحرين هي أحد أكثر بلدان العالم تنوعا في تركيبتها السكانية من حيث أعرافهم وثقافاتهم ولغاتهم ومذاهبهم، فالاعتراف بالآخر هو رفعة لشأن الذات المعترفة، ما أفرز تعايشا سلميا بين الهويات الثقافية المختلفة، فأصحاب المطاعم والذواقة هم ناقلوا ثقافة بلادهم للمجتمعات الأخرى.

وفي الآونة الأخيرة انتشرت المطاعم الشعبية في جميع مناطق مملكة البحرين، ولا نستطيع إغفال أن دول الخليج ودول الوطن العربي تشترك كلها في هذا المجال.

ومع وجود المنافسة مع مطاعم الوجبات السريعة، إلا أنه هنالك إقبالا كبيرا على هذه المطاعم من قبل الشباب، ما يدعونا لعدم الخوف من خطر اندثار أطباقنا القديمة، منوهة إلى أن الفئة العاملة في هذا المجال من جنسيات أخرى إلا أن ممارساتهم ونقلها إلى شعوبهم تضمن الاستمرارية، فخلال الفترة العباسية استخدم الطباخون من جنسيات مختلفة، فذكر الجاحظ أن أحسن الطباخين هم السنديون والخرسانيون، وما يثبت ذلك هو وجود مطاعم للأكل الخليجي في دول شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية، وهذا ما يستوجب دعما من حكومة البلاد للممارسين؛ للحفاظ على هذا الإرث.

انقراض الإرث

وتساءلت الباحثة الشروقي: هل هناك تهديدات لانقراض هذا الإرث؟ من خلال بحوثي ووجودي في هذا المجال أرى أن التحديات قوية ومازال الجيل الحاضر يقبل على الأطباق الشعبية خصوصا في المناسبات الاجتماعية، وأتمنى أن أرى مبادرات وزارة الثقافة والتراث ووزارة الإعلام ووزارة العمل كل في اختصاصه.

واقترحت الشروقي للحفاظ على المطبخ البحريني الذي يعد من أغنى المطابخ ببعض أطباقه المتميزة التي ارتبطت بالتراث الإنساني للبحرين وكانت مادة بالأغاني والأمثال الشعبية التي لازالت تعيش معنا في حاضرنا، يجب أن تسجل هذه الأطباق في مراكز الثقافة العالمية مثل الكبة والكفتة البحرينية وأطباق المحمر التي لا تحضر في مطابخ البلدان المجاورة، مؤكدة أنها وخلال إعدادها لكتابها زارت العديد من القرى بالبحرين كسماهيج والدير وصدد والمالكية والمالكية وغيرها، ووجدت أن نساء القرى البحرينيات خصوصا المسنات يمتلكن ذاكرة تشكل موسوعات في هذا الجانب، مؤكدة أن أهل المنامة تأثروا وأثروا في الجاليات التي قدمت للبحرين، مبينة أن هناك العديد من الأطباق البحرينية التي اختفت مثل “الملخوخة”، وأن هناك بعض الأطباق قد تختفي إذا لم يتم الحفاظ على هذا الإرث الثقافي، فيجب حفظ هذا الإرث وتوثيقه للأجيال القادمة، وإنشاء معاهد وكليات لتعليم فنون الطبخ الشعبية التي تعد أحد جوانب الثقافة البحرينية.