+A
A-

المافيا... لا تزال تحكي قصص هوليوود وتساهم بصناعة السينما

بمثل هذه الأيام رحل عن عالمنا أحد أهم نجوم هوليوود على مر التاريخ، وهو النجم مارلون براندو الذي ينحني له أهم النجوم؛ احتراما لموهبته التي تجلت في كل أدواره، ولعل أبرزها الجزء الأول من سلسلة الأب الروحي الذي اشتهر فيها بأدائه العبقري لدوره خلال أحداث الفيلم الذي جعله من وجهة نظرالملايين من عشاقه بمثابة الأب الروحي للسينما بصفة عامة.

على جانب آخر، يعد مارلون براندو مثالا يحتذي به بالنسبة للكثيرين ممن أعجبوا بمواقفه في حياته الذي أعلنها صراحة رغم أنها في الغالب كانت عكس التيار، إلا أنه لم يبالِ أبدا إلا بما يؤمن به.

أول مواقفه حينما رفض الفوز بجائزة الأوسكار بعدم حضور مراسم التتويج بها، مكتفيا بإرسال خطابا بصحبة فتاة ترتدي زي الهنود الحمر يدين فيه ما تنتجه هوليوود من أفلام تهاجم وتشوه صورة الهنود السكان الأصليين لأمريكا دائما. مواقفه لم تقف عند ذلك الحد وإنما اعتبره الكيان الصهيوني معاديا للسامية بسبب تصريحاته وموقفه من احتلال إسرائيل لفلسطين، إضافة إلى تصريحاته الدائمة بشأن تأثير اللوبي اليهودي على عقلية هوليود بالترويج لأفكارهم من خلال أفلام هوليود التي تستغلها.

أيضا وقف مناهضا للعنصرية تجاه السود، وكان دائما مرتبطا بصداقة مارتن لوثر كينج، داعما له ومؤمنا بأفكاره، وقال عن ذلك ذات مرة: أنا أقاوم ليس من أجل السود، أنا أقاوم من أجل العرق البشري. كل البشر خُلقوا سواسية.

قدم العديد من الأعمال السينمائية الكبيرة ولعل فيلم “العراب” أهمها ويعتبر من أعظم الأفلام في التاريخ، حيث إن الفيلم حصل على جائزة أفضل فيلم في تاريخ السينما العالمية وحصل على جائزة أفضل موسيقى تصويرية في تاريخ السينما، وقد رشح الفيلم إلى 24 جائزة أوسكار حصل منها على 7. يضم الفيلم 3 من أفضل 10 ممثلين في تاريخ السينما العالمية منهم الأول مارلون براندو.

القصة مقتبسة من رواية ماريو بوزو العراب 1968 أخرجه العام 1972 فرانسيس فورد كوبولا. كثير من النقاد اعتبروه أفضل فيلم في تاريخ السينما العالمية، كما يتميز الفيلم بعيدا عن براعة الممثلين والسيناريو الفريد من نوعه بإخراجه المتميز جدا.

الفيلم يعرض قصة عائلة الكورليوني بداية من سنة 1945 إحدى أقوى عائلات المافيا الإيطالية في نيويورك والمتورطة بأعمال إجرامية مختلفة كإدارة نوادي القمار والبغاء ومتاجرة الكحول، إلا أن علاقات زعيم العائلة دون فيتو كورليوني “مارلون براندو” بشخصيات سياسية مهمة قد منحته نفوذا قويا ومنح أعمال عائلته تغطية، غير أن هذه العلاقات تتأثر بعد رفضه لطلب سالازو بحمايته وأعماله في تجارة المخدرات لقاء مبلغ كبير من المال مما يدخل العائلة في حرب مع بقية العائلات، فيتدخل للمساعدة وإنقاذ العائلة من دمار الابن الأصغر للدون مايكل “آل باتشينو” الذي كان عسكريا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كان لا يريد أن يشارك في أعماله مع العائلة أو يتورط في أعمالهم.

 

قصة العصابة

من منا يعرف أن مافيا هي منظمة سرية لمكافحة الغازي الفرنسي، وكان شعارها Morta alla Francia Italia anelia، ويعنى “موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا”، وجاء من الحروف الأولى من كلمات الشعار كلمة MAFIA، والحقيقة أن الكثير منا يعتقد بأن المافيا منظمة حديثة التاريخ بعمر افتراضي لا يتجاوز الـ 100 عام، وفي الواقع يرجع تاريخ المافيا إلى القرن الثالث عشر مع غزو الفرنسيين أراضي صقلية الإيطالية في سنة 1282 بعد فساد نظام الحكم في فرنسا، ولعل عدم إلمامنا بذلك يعود إلى كون المافيا بشكلها الحديث لم تعرف إلا في نهاية القرن التاسع عشر، ومن ثم اكتسبت المزيد من الشهرة لتظهر كأقوى منظمة إجرامية عالمية من خلال انتقال جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة مع مطلع القرن العشرين.

في عصابات المافيا الأمر مختلف تماما، فلا تمثل العصابة في جهاز المافيا إلا نواة في بناءة الضخم، والتي قد يصل عدد أفرادها إلى الخمسمئة فرد أو أكثر. والأخطر من ذلك لم يستطع أي تنظيم إجرامي عرفناه أن يستمر سنوات وسنوات كما فعلت المافيا. فيزيد عمر المافيا الأميركية الحديثة عن نصف قرن من الزمان. كذلك فالمافيا ليست تنظيما سريا، فقد استطاعت أن تفرض وجودها علنا وبعلم الجميع، ولا يعني ذلك تجاهل السلطات لها بقدر ما يعني مدى قوة المافيا التي استطاعت أن تفرض نفوذها على بعض المدن الأميركية بصورة مطلقة بالرغم من أن أخبارها توارت عن الصفحات الأولى للصحف، إلا أنها لا تزال تشغل مساحة من صناعة السينما.

عائلة

المافيا هو جهاز مقعد للغاية في بنائه فيبدأ تكوينه بما يسمى العائلة، والتي تمثل نواة المافيا، وهي عبارة عن عصابة من المجرمين تجمعهم رابطة الدم أو الزواج أو أحيانا مجموعة من الأصدقاء وعادة يكون لكل عائلة ما يميزها من نشاط إجرامي عن غيرها من العائلات الأخرى وزعيم العائلة هو أقوى أفرادها وأجدرهم بالقيادة، ويتم اختياره بموافقة باقي الأفراد.

ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية في البناء، حيث تنضم بعض العائلات المتشابهة في النشاط إلى بعضها لتكون معا وحدة أكبر أو عائلة أكبر يتزعمها أقوى الأفراد من مجموعة العائلات الصغيرة. ثم يلي هذه المرحلة انضمام هذه العائلات الكبيرة إلى عائلة واحدة يتزعمها أقوى الزعماء من كل العائلات.

 

المافيا الأميركية

ترجع البداية إلى حادث مقتل آخر زعماء المافيا القدامى ويدعى سلفاتور مارانزانو على يد لاكي لوسيانو في سنة 1931 بمعاونة السفاح اليهودي ماير لانسكي مع بعض رجاله. فقد ضاق لوسيانو بمافيا سيسيلي وزعمائها وتقاليدها القديمة التي رأى أنها لا تمثل إلى عراقيل تحول دون انطلاق المافيا إلى هدفها الأساسي، والذي يجب أن تسعى إليه دائما مهما كان الثمن، وهو الوصول إلى الثروة والمال ومن ضمن هذه التقاليد هو تقديس المافيا القديمة لبعض القيم كالشرف والكرامة والولاء للرؤساء بالرغم من نواياها الإجرامية، فكانت تعمل على إرساء هذه التقاليد المتوارثة عن التفكير في جمع المال. كذلك بنى جهاز المافيا القديمة بناء معقدا للغاية وارتبط بالمجتمع القديم في سيسيلي فراعى لوسيانو أيضا هذه النقطة عند تكوينه جماعات المافيا الحديثة وفصلها تماما عن جذورها في سيسيلي.