لمّا كانت الهُويّة تمثل هوية الشيء وحقيقته، بما تحمل الكلمة من دوائر ضيقة وأخرى واسعة شاملة، فهل لنا أن ننحاز دائمًا إلى دوائرنا وانتماءاتنا الصغيرة، ونترك كل ما لا ينتمي إلى حدود مساحاتنا، في اعتراف صارخ منا، أنه لابد أن نكثف وجودنا على هذه الأرض، مهما كانت المعطيات ومهما كان الثمن. كلنا يعتز بانتمائه، وبالجذور التي نشأ وتربى عليها، على المستوى العقائدي الآيديولوجي، الديني، الطائفي وما إلى ذلك من أصول وتفرعات تاريخية تشكلت مع تشكل القوى الطبيعية، وما تبعها من أحداث للأنظمة والإفرازات السياسية والقانونية التي ساهمت في تأطير المسميات والهويات والانتماءات.
ليكن لكل منا اعتزازه بالهوية التي ينتمي إليها ويقتنع بها، وهذا أمر وارد وطبيعي في ممارسة كل فرد عقيدته على المستوى الفردي - ولن نقول المنغلق على الذات، وهذا ما كفله الدستور في الجانب “القانوني” الذي ينظم العلاقات بين أفراد المجتمع. في المقابل، نحن إزاء سؤال، هل يمتلك جميعنا الحقيقة؟ وفي تساؤل آخر، هل يمكن أن نلجأ إلى هوية جامعة في ظل التعدديات الثقافية والإثنية، وهل هناك حق لهويةٍ ما أن تطغى بقوتها وأكثريتها على حساب هوية أخرى. الهوية الوطنية، في اعتقادي وكما يرى كثيرون، قد تكون ملاذًا وحلًّا مثاليًّا في إبراز دور الوحدة الوطنية في إطار شامل يفكك الانغلاق ويجمع الهويات، تحت سقف ثوابت وطنية تناسب الجميع، وتتوافق فيها جميع الرؤى، ولا تتنافى مع الهويات المتعددة في الإطار المحصور الضيق.
في ذات السياق، يذكر أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة “لا أتقبل أن تقوم جماعة.. مهما كان تفوقها العددي، بفرض قانونها على كل فئات الشعب، فطغيان الأكثرية ليس أفضل أخلاقيًّا، بنظري، من طغيان الأقلية”.
وهنا، نكون أمام أمر آخر، الديمقراطية حين تفرض سيطرتها بتصويت الأكثرية قد لا تكون منصفة في بعض وربما معظم الأحيان، وهذه معضلة كبيرة في طغيان قوة تهدد كيان المجتمعات فقط لأنها أكثرية، وبالتأكيد فإن المواقف نسبية في قياس مدى نجاعة الديمقراطية باختلاف المعطيات في كل مرحلة.
أشارككم هذا المقال، عزيزي القارئ، ببعض الأفكار التي جالت في الذهن، في أثناء حضور الندوة المتميزة التي أقامها نادي العروبة مؤخرًا في شهر رمضان المبارك في مارس 2025م، بحضور شخصيتين وطنيتين قديرتين، الدكتور علي فخرو والدكتور حسن مدن في ندوة بعنوان “الهوية الوطنية بين مفهومي الأكثرية والأقلية”.
كاتب بحريني