الصحيفة لقارئها ليست مجرد وسيلة لمعرفة الأخبار وما يدور، فالرابطة بينهما أكبر من ذلك بكثير لدرجة كنا نسمع معها عن حالة من الإدمان التي تعكس ذلك الترابط بين الصحيفة والقارئ الذي يعتاد ويرتاح لشكل ومضمون وكتاب صحيفة ما، ويشعر بالسعادة منذ أن يهم لاقتناء الصحيفة المفضلة لديه، ويحرص على قراءتها بطقوس خاصة تشعره بالبهجة والمتعة وتجعل من الصحيفة وكأنها فرد من أفراد أسرته يجلس معها ويثق فيما تحمله من آراء وفيما تنشره من أعمدة ومقالات لكتابها الذين يمثلون لهذا القارئ مصدرًا مهمًا للتنشئة والثقافة والتحليل والتفكر في مختلف القضايا الداخلية والخارجية.
مع عالم التكنولوجيا الواسع والمواقع الإلكترونية المتعددة تكاد تكون هذه الرابطة قد انعدمت باستثناء الأجيال التي تربت على القراءة من الصحيفة الورقية، وغير مستعدة أو ربما غير قادرة على التكيف مع هذا التحول التقني، واختفت تقريبًا هذه الروح الجامعة بين القارئ والصحيفة بعد ما صاحب هذه الأجواء التقنية الجديدة من ممارسات ولدت الشك لدى القارئ الذي كان يقرأ لكتاب ومفكرين وخبراء ويعلم علم اليقين أن ما يقرأه على صفحات الجريدة هو ما يقوله هؤلاء من واقع معارفهم وتجاربهم وخبراتهم. ثم جاء الذكاء الاصطناعي ليزيد هو الآخر حالة الشك والتباعد بين القارئ والصحيفة في ظل الاستسهال والاعتماد عليه في الأخبار والمقالات والآراء، فنزعت العاطفة الروحية من هذه العلاقة، حيث يشعر القارئ أنه أمام آلة تكتب وليس أمام إنسان يؤلف.
ففي دراسة أجرتها جامعة كانساس الأميركية مؤخرًا، كشفت أن القراء ينظرون بشكل سلبي للأخبار والمقالات التي يساهم الذكاء الاصطناعي في صناعتها ويفقدون الثقة في مصداقيتها، وأنهم يثقون أكثر في الأخبار التي يكتبها البشر.
المختصون هنا ينصحون الصحافيين بأن يكونوا واضحين مع قرائهم بالإعلان عن استخدام الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه أيضًا، وأن يهتموا كذلك برد فعل القراء ومدى تقبلهم ذلك.
كاتب بحريني