أن تتم إقالة وزير دفاع وسط معارك وحروب متعددة الجبهات وفي ظل ما يبدو ظاهريًّا أو ميدانيًّا من تفوق ونصر كاسح، فهذا يعني أن الوضع غاية في الخطورة وليس كما يتراءى للمتابعين والمحللين، وأن يكون هناك رفض شعبي لهذه الإقالة ويتظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص وفي أنحاء متفرقة احتجاجًا عليها، فهذا يعني أن هذا الوزير المقال كان أقرب إليهم. الحديث هنا عن إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لوزير الدفاع يوآف غالانت، والتي كانت في نظر الكثيرين متوقعة في ظل التباين بينهما في كيفية إدارة حرب غزة، إضافة إلى بعض القضايا والقوانين الداخلية التي تمس أمن إسرائيل ومن بينها التجنيد والقضاء، والتحقيق في هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حماس وأدى إلى مقتل نحو 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقًا لإحصاءات إسرائيلية، وغيرها من الأمور التي وسعت الفجوة وخلقت ما وصفه نتنياهو بأزمة الثقة التي تصدعت بينهما.
ما يعنينا أكثر هو ما يتعلق بحرب غزة، فغالانت بدأها بمنتهى العنف والوحشية، ومصرًّا على اغتيال قادة حماس وإعادة غزة إلى الوراء عشرات السنين وتجويع أهلها وعزلهم عن العالم، ووصف ما اعتبرهم أعداء إسرائيل بـ “حيوانات بشرية”، إلا أنه وبحسه وعقيدته العسكرية تكيف مع مجريات الحرب وأدرك أن ما يصر عليه رئيس حكومته من تحقيق نصر تام على حماس هو “هراء”، فبدا مستعدًّا ومرحبًا بإنهاء القتال، رافضًا بقاء الجيش الإسرائيلي كقوة احتلال في غزة، ومعليًا لهدف إعادة الرهائن “أحياء” إلى إسرائيل كواجب أخلاقي، ورأى أن كل ذلك ممكن حتى وإن كان من خلال التضحية وتقديم تنازلات مؤلمة.
بدلًا من مواصلة السير فيما وصفه هو بعد إقالته بضباب المعركة، وترجم كل ذلك في رسالة في 27 أكتوبر 2024 بعث بها إلى نتنياهو وعدد من المسؤولين، مؤكدًا أن الحرب تُدار بدون بوصلة وأنّه يجب تحديث أهدافها بحيث تكون في غزة محصورة في إرساء واقع بدون تهديد عسكري، ومنع تعزيز قدرات “الإرهاب”، وإعادة الأسرى، وتعزيز بديل لحكم حماس، فكانت إقالته التي تشير إلى اختيار مواصلة مسار التشدد واللا واقع في الحرب.