الحديث عن النظام العالمي وتحدياته مطروح منذ عقود، وتحديدا منذ انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي في محاولة لتوقع صورة النظام البديل أو القادم، وإذا كنت قد أشرت إلى ما ذكره رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووجهة نظرهما في هذا الموضوع، فهناك من يدحضها، ومن بين هؤلاء كمثال فريد زكريا بمقال في ديسمبر من العام الماضي بصحيفة واشنطن بوست يقدم ما يمكن توصيفه برد مسبق على مضمون هذه الرؤية “الأميركية البريطانية” المشتركة، فهو وإن كان يتفق معها على نقاط التحديات، فهو يختلف بتأكيده على أن أميركا (التي بنت هذا النظام العالمي) أخطأت حينما تعاملت مع هذه التحديات بالقوة وحشد الحلفاء، في حين أن الأمر كان بحاجة أكثر إلى الدبلوماسية.
وفيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، يذكر زكريا بتفوق الاقتصاد الروسي عن نظيره الأوكراني بنحو تسعة أضعاف قبل الحرب، الأمر الذي سيفرض استمرار المساعدات الغربية لأوكرانيا، والضغط على كييف لحملها على تطوير استراتيجياتها العسكرية، وإصلاح اقتصادها حتى تصبح جزءا من الغرب. أما عن الصين، فالكاتب يحذر من حرب باردة ثانية، ولاسيما مع سباقات التسلح في الأسلحة النووية والفضاء والذكاء الاصطناعي، ناصحًا باستخدام لهجة أكثر تصالحية مع بكين، متوقعا أن يؤتي ذلك بنتائج دبلوماسية مرضية. وعن الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي أكد فيه رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بذل جهود كبيرة لأجل وقف الحرب بين إسرائيل وحماس، وهو ما لم يحدث إلى الآن، فإن زكريا يشدد على ضرورة أن تتفوق الدبلوماسية على الردع، لأن إسرائيل قد تنتصر عسكريا، لكن بالنهاية لابد من دولة وحقوق لـ 5 ملايين فلسطيني في الأراضي المحتلة. قد يكون العالم مقبلا على فترة من التعددية القطبية (أميركا، روسيا الاتحادية، الصين)، إلا أن الخطر الأكبر على النظام العالمي الراهن هو أن كثيرًا من الدول تتصرف حسب مصلحتها الذاتية، دون التزام بالمبادئ والقوانين التي وضعتها هي ورسختها عبر السنين ودونتها في ميثاق الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة لتكون دستورًا عالميًا.
*كاتب بحريني