هو مقطع فيديو قصير لكنه جسد خللاً خطيرًا متغلغلاً في ترتيب منظومة القيم في المجتمع وتراجعًا في تقدير أهمية العلم والعطاء الحقيقي والعمل النافع، حيث ظهر “مطرب” لم يعد له من الشهرة والظهور وحتى الغناء إلا القليل وهو يتهجم على طبيب ويوجه له السباب، في مشهد جديد ومستفز من مشاهد “استعلاء” واعتداء الفنانين والمطربين على المواطنين. لم أهتم كثيرًا بتفاصيل الحدث وأسبابه، لأنها لا يجب أبدًا أن تكون مبررًا لهذا الاعتداء، وهذا المشهد المؤسف الذي يعتدي فيه الأقل علمًا والأكثر حظًا من الشهرة والأضواء على شخص ينتمي لمهنة سامية لا ينتسب إليها إلا المجتهدون والمجدون في دراستهم وفي حياتهم عمومًا.

كثيرًا ما نسمع من المطربين أنهم أصحاب عواطف ومشاعر فياضة بالحب والعطاء وأحاسيس مرهفة لدرجة تخيلنا فيها أنهم بعيدون عنا ويختلفون كثيرًا ولا يمكن أن يصدر عنهم إلا كل جميل وكل سلوك منضبط ومتزن مهما كانت الضغوط عليهم بفعل هذه الطبيعة المتقدمة جدًا والمتميزة لقلوبهم عن باقي البشر، لكننا على أرض الواقع نرى الغوغائية والبلطجة والهمجية في تصرفات البعض منهم، لأنهم ظنوا بما أتيح لهم من شهرة وسطوة في ظل انحدار واختلال المنظومة القيمية أنهم فوق البشر، رغم أن الكثير منهم لا يحملون إلا القليل من المؤهلات العلمية والسلوكية التي تصل بصاحبها لمكانة محترمة ورفيعة في حال لو استقامت الأمور ووضعت في نصابها الصحيح قيميًا ومجتمعيًا. تذكرت مقولة لواحد من عباقرة الفن المصري والعربي والعالمي برز نجمه وكان في أوج لمعانه وعطائه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهو يتحدث عن الفن وبعد تجربته الفنية الطويلة ويقول إنه يشعر بتفاهة ما يقدمه وعظم ما يتقاضاه من أجر عندما يرى آخرين ممن يعملون بمهن أخرى ولا يتقاضون إلا القليل، فهو اختصر القصة وكشف الوضع المختل منذ عقود طويلة، ولكن يبدو أن التصحيح سيحتاج لعقود أخرى كي يأخذ كل فرد حقه الذي يستحقه فعلاً من الاحترام والتقدير والشهرة والمكانة.

*كاتب بحريني