عجبًا لهؤلاء الذين يتشدقون بالقيم حينما تكون في صفهم ومؤيدة لمواقفهم ورغباتهم وأهوائهم، لكنهم يرفضونها ما لم تخدم مصالحهم وتؤكد تفوقهم، فمن هؤلاء من يرفع شعار الحرية ويزعم أنه ناصر لها وفي ذات الوقت يمنع آخرين من ممارسة تلك الحرية في شعائرهم، ومن هؤلاء أيضًا من انتفض مؤخرًا دفاعًا عما يسميه “العدالة” بعد مباراة في لعبة الملاكمة في إطار دور الـ 16 لأولمبياد باريس بين الجزائرية إيمان خليف مع منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني، كانت نتيجتها صاعقة لكثيرين حيث لم تستمر سوى 46 ثانية بسبب انسحاب اللاعبة الإيطالية زاعمة أنها لم تتعرض لمثل هذا النوع من اللكمات من قبل.
رياضيون وسياسيون ومسؤولون غربيون مشهورون وصفوا ما حدث في هذه المباراة بأنه “غير عادل” أن تتنافس خليف وهي تتهم بامتلاك قدرات بدنية تتجاوز ما هو مألوف في المنافسات النسائية، لكنهم بالتأكيد لم يكترثوا لعدم عدالة استبعاد “أنثى” من منافسات النساء، ولم يهتموا بقانونية مشاركتها وفق القواعد والقوانين المنظمة لهذه المنافسات، كما لم ينظروا إلى تاريخ مشاركات اللاعبة الجزائرية الذي يؤكد أنها ليست تعبيرًا عن حالة غير طبيعية وغير قابلة للهزيمة، إنما يؤكد تصاعد وتطور مستواها في اللعبة، حيث خسرت في بطولة العالم 2018 و2019 من الدور الأول، وفي أولمبياد طوكيو عام 2021 خسرت في ربع النهائي، إلى أن خسرت في نهائي بطولة العالم للملاكمة في 2022، وفي نهائي بطولة العالم في 2023.
لقد كان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ واضحًا في توصيف القضية وحاسمًا في الدفاع عن الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، رافضًا التشكيك فيها وفي جنسها محذرا من مخاطر ذلك، قائلا: “أي شخص يشكك في الملاكمتين يجب أن يأتي بتعريف جديد قائم على أساس علمي لمن هي المرأة، إيمان خليف أنثى، وُلدت كأنثى، وتُنافس منذ سنوات مع الإناث، وليس هناك أي شك في هذا الأمر. سبق أن أجرينا الفحوصات المطلوبة لتأكيد هذا الأمر ولا داعي للتشكيك في هذا الأمر. لن نكون طرفاً في أي صراع سياسي يصل إلى حرب ثقافية”.
*كاتب بحريني