على بعد أسابيع قليلة تنعقد القمة العربية الثالثة والثلاثون في العاصمة البحرينية المنامة، حيث المملكة الخليجية التي أثبتت عبر سياساتها الخارجية المتزنة والناضجة أنها أرض التلاقي وموطن التفاهمات السياسية، لهذا باتت تحظى بتقدير واحترام من الشعوب والأنظمة العربية كافة أول الأمر، ومن كل دول العالم تاليا.
تنعقد القمة في مملكة ترسخ سياساتها الخارجية قيم نشر السلام العادل والشامل، واحترام الإنسان، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه. عطفا على ذلك فإن توقيت القمة يواكب احتفالات مملكة البحرين بمرور خمسة وعشرين سنة على تولي جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة شؤون البلاد والعباد، وفي وقت تعيش فيه البحرين حالة من التسامح والتصالح المجتمعيين، لاسيما بعد قرارات العفو التي أصدرها جلالته، كجزء متمم ومكمل للمشروع الإصلاحي الذي أرسى قواعده منذ بداية حكمه السعيد. تنعقد القمة العربية في منتصف مايو المقبل، وسط ترقب الشارع العربي لقرارات عربية حاسمة وحازمة، تعمل سريعا في محاولة لاستنقاذ الأوضاع المتأزمة، وتجنيب المنطقة العربية ويلات تفاقم الأزمات، القائمة منها والقادمة على حد سواء. كان من الواضح أن جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة، استبق أعمال القمة من خلال قيامه بجولة زيارات في إطار المناقشات الخاصة بالمخرجات الطموحة التي يترقبها الجميع. في القاهرة لا يعتبر جلالته ضيفا، بل صاحب بيت وبلد، ومكانته في قلوب المصريين عالية وغالية، ويكفي المرء أن يتابع جلالته في القمم الدولية التي تنعقد في مصر، فيراه لا ضيفا بل مضيفا، في المؤتمر الصحافي الذي عقده جلالته مع أخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بان جليا مقدار الجهود المبذولة لتكون القمة ومخرجاتها متفقة مع الرؤى العربية، وضمان وحدة الرأي والتوافق على حتمية إيجاد حلول للأزمات المتفاقمة، والتوصل إلى خارطة طريق تضمن الاستقرار وتصون السلام الإقليمي المهترئ جراء صراعات أممية، تكاد الدول العربية تدفع أكلافها.
ليس سرا أن البحرين تعمل بعزم وتفكر بحزم، وتبذل جهودا لا تتوقف منذ أن أعلنت نيتها استضافة القمة، لتنتج مخرجات متميزة ومفصلية في أوقات ملتهبة.
تبدو المنطقة العربية، من دون تهوين أو تهويل مثخنة بالجراح، فيما يظل الألم التاريخي يضغط على الجميع، عبر القضية الفلسطينية التي تتهاوى يوما تلو الآخر.
أمام القادة العرب في المنامة تحديات جسام، لاسيما في مواجهة عنت إسرائيلي تقليدي، والمشهد في غزة يغني حاله عن سؤاله، وربما قبل أن تنعقد القمة تكون رفح آخر موقع وموضع في غزة، قد استبيحت، فيما المهانين والمجروحين المشردين على الطرقات، قرابة المليون ونصف المليون من سكان غزة، يعانون من الجوع والعطش.
يؤلم كل صاحب ضمير حي في العالم ما يجري في غزة، وعلى القادة المجتمعين في المنامة يقع عبء دعم أشقاء على أرض مقدسة.
الجسد العربي يعاني في اليمن، وفي سوريا، في العراق والسودان، ولا يمكن للمرء أن ينسى ليبيا المتألمة منذ عقد ونيف.
لا يبدو من المعقول عقلا أو عدلا أن نطالب بحلحلة كل هذه الملفات دفعة واحدة، لكن يمكن لقمة المنامة أن ترسم خارطة طريق بمشاعر من الأخوة العربية، وبمؤثرات من شراكة تاريخ، لتغيير الأوضاع وتبديل الطباع.
من وراء أبواب القمة، تنتظر الشعوب العربية ملمحا وملمسا من تعاون اقتصادي في عالم مهدد بأزمات مالية جديدة، ومخاوف من انتكاسات ترهق دولا مرهقة بفعل أزمات متباينة، إذ لم تعد الجيوش وحدها من تمشي على بطونها بل الشعوب كذلك.
ولعل ما يزيد العبء على كاهل المجتمعين في المنامة، انفلاش صراع إقليمي في المنطقة، لا ناقة للعرب فيه ولا جمل، لكنه بحكم “انتقام الجغرافيا”، يختصم من أمنهم وسلامهم في الحل والترحال، ونعني به الصراع الإسرائيلي الإيراني، ذاك الذي ولج منطقة خطيرة مؤخرا.
على أنه وفي كل الأحوال هناك ثقة كبيرة في نجاح مساعي قيادة مملكة البحرين للتوصل إلى قرارات تاريخية في القمة، تضمن حقوق الأجيال المعاصرة، وتذود عن أحلام القادمين من أبناء العروبة، وتأخذ بيد الجميع للسير في طريق ينتهي بضوء ساطع في نهاية النفق من التجديد والتغيير، طريق صحوة الفينق العربي.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية