+A
A-

المحاري لـ “البلاد”: نسعى لإعداد جيل من الخبراء المؤهلين بمجال الآثار

يعبق تاريخ تليد بين ثنايا الحديث مع مدير إدارة الآثار والمتاحف سلمان المحاري، فعلاوة على مسؤولياته، إلا أنه يعتبر “كنزًا من المعلومات التاريخية” إن جاز لنا التعبير، وذلك نابع من اعتزازه بتاريخ وتراث وحاضر ومستقبل مملكة البحرين، لا سيما أن الهوية الوطنية جزء لا يتجزأ من المسار الحضاري لبلادنا الغالية، لذلك، تمكن في فترة وجيزة من تحقيق أعمال متميزة وفريدة من نوعها كما سيأتي عبر هذه السطور.
أعمال تنقيب حافلة


انطلقت محطتنا الأولى من سؤال يتعلق بأبرز وأهم أعمال التنقيبات في العام الماضي 2023، ولمحة عن خطة العمل خلال العام الجديد 2024.. كيف تسير؟
العام 2023 كان حافلًا بأعمال التنقيبات الأثرية كعادتنا في كل عام، حيث إن لنا تعاونًا مع عدد من فرق التنقيب الأثرية العلمية في عدد من البلدان في العالم، مثل الفريق البريطاني من جامعة إكستر الذي واصل أعمال التنقيب خلال العام 2023 في منطقة سماهيج وبالتحديد في موقع بقايا الآثار المسيحية الذي عثرنا عليه سابقًا، ويعد أبرز الاكتشافات الأثرية خلال الأعوام الماضية من حيث كونها أولى الدلائل الأثرية على الوجود المسيحي في مملكة البحرين.
أضف إلى ذلك، أن فريقين من اليابان نفذا أعمال تنقيب أثرية أولهما في موقع تلال مدافن مقابة والتي ترجع إلى فترة تايلوس، وثانيهما في موقع تلال مدافن وادي السيل وهي تلال المدافن من النوع المبكر والتي ترجع إلى فترة دلمون المبكرة، أما الفريق الدنماركي من متحف موزجارد فقد استأنف هذا العام أعماله المستمرة في التنقيب عن البقايا الأثرية بموقع قلعة البحرين، وهو واحد من أهم المواقع الأثرية في بلادنا الغالية من حيث ما يضمه من طبقات أثرية تمثل العديد من الفترات التاريخية التي مرت على البحرين منذ نحو 2300 قبل الميلاد وحتى القرن الصعب عشر الميلادي.
ونأتي إلى الفريق الفرنسي الذي لا يزال يواصل أعمال التنقيب في موقع أبوصيبع الذي يضم مدافن تعود لفترة تايلوس، أما الفريق الأثري البحريني فكان له نشاط في تنفيذ عدد من التنقيبات في أحد المواقع بمنطقة باربار والآخر لبقايا مسجد في منطقة كرانة، كما لا يخفى أن الفريق البحريني هو جزء من أعمال التنقيب التي تقوم بها فرق التنقيب العالمية الصديقة.

الفهم بشكل أفضل
 وفق ما تفضلتم به، إلى أي مدى تقيمون مؤشر الاهتمام بثقافة الآثار بالنسبة للمواطنين، خصوصًا أنكم نجحتم في برامج تثقيفية وتدريبية ومنها “الآثاري الصغير”؟

بالنسبة لبرامج التثقيف والتوعية والترويج، فهذه الجهود تلعب دورًا مهمًا في زيادة الوعي والاهتمام بالآثار عبر توفير فرص للناس للاطلاع على الآثار وفهمها بشكل أفضل، ويمكن أن تسهم هذه البرامج في تعزيز الاهتمام والتقدير للتراث الثقافي، وعندما يتعلم الناس عن الآثار وأهميتها، فإنهم غالبًا ما يصبحون أكثر حماسة للمحافظة على هذا التراث وحمايته للأجيال القادمة. 

إذن، تنظرون إلى الاهتمام بأنه “مبشر”؟
أستطيع القول إن مؤشر الاهتمام بالآثار والتراث الثقافي في مملكة البحرين يسير في الاتجاه الصحيح، وأن هناك اهتمامًا متزايدًا بالآثار والتراث في بلادنا، لعدة نتائج منها أولًا حب المعرفة الذي يتميز به المجتمع البحريني بالإضافة إلى ما تقوم به هيئة البحرين للثقافة والآثار من أنشطة وبرامج تثقيفية وتوعوية تروج للتراث البحريني، وكما نعلم فإن ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أصدر توجيهات سامية لوضع خطة عمل للمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، وترجمها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلى مسار عمل في كل الوزارات ذات العلاقة لتكامل التنفيذ.

2300 طالب وطالبة

في هذا الصدد، نفذتم أنشطة متميزة، ربما لا نجدها في الكثير من دول العالم.. ما أبرزها؟
نتمنى أن نكون قد حققنا النجاح على هذا المسار، ومن أبرز هذه الأنشطة: مبادرة (الآثاري الصغير) التي أطلقناها في عام 2022 حيث نفذناها على ثلاثة مواسم إلى الآن، وكانت تحقق نجاحًا متزايدًا، مبادرة تلو الأخرى،  في كل موسم نقوم به، وخلال الموسم الثالث والذي بدأ في شهر نوفمبر 2023 واختتم في شهر مارس 2024 شارك في هذا البرنامج ما يقارب 2300 طفل من مدارس حكومية وخاصة ومؤسسات حكومية وأهلية، فهناك إقبال كبير لطلب تنفيذ هذه الفعالية لدى هذه المؤسسات. 

حدثنا عن الهدف بالتحديد من هذه المبادرة؟
الهدف من هذه المبادرة هو تعزيز الهوية الوطنية لدى الأطفال من خلال تعريفهم بتاريخ وحضارة مملكة البحرين، وقد ولدت هذه المبادرة من رحم مبادرة أخرى وهي الشراكة المجتمعية للحفاظ على التراث الأثري البحريني، فقد كان هدفنا ومازال هو تعريف المجتمع البحريني بتراثه الأثري والمواقع الأثرية القريبة من المناطق السكنية ليكون الفرد هو أحد حُماة هذه المواقع الأثرية. 
أضف إلى ذلك المبادرات الأخرى مثل المتحفي الصغير و (واكاثون الآثار) الذي حرصت هيئة الثقافة والآثار على تنفيذه كل عام وهو عبارة عن مزج الرياضة بالثقافة من خلال التجوال بين المواقع الأثرية لمسافات طويلة تصل إلى 6 كم للتعرف على المعالم الأثرية وهو نشاط تثقيفي وتوعوي وترويجي لا يستهدف فقط المواطن وإنما أيضا المقيم والزائر، ولهذا شهدت الفعالية الأخيرة التي أقمناها في شهر فبراير 2024 مشاركة عدد كبير من المواطنين علاوة على المقيمين وعدد من سفراء الدول الصديقة.

تخصص “علم الآثار”
على ذات السياق، هل يمكن أن نعرف القراء الكرام على خطة تأهيل الكوادر الوطنية في مجال الآثار؟

نسعد دائمًا بتشجيع الكوادر البحرينية على دراسة علم الآثار والعلوم المساعدة لعلم الآثار، وقد لاحظنا خلال السنوات الماضية تزايد الاهتمام بهذا العلم، فعلى المستوى الشخصي، تلقيت العديد من الاستفسارات عن دراسة هذا التخصص سواء من حيث أهميته بالنسبة لمملكة البحرين والجامعات المتخصصة التي يمكن دراسة هذا العلم فيها، فهذه هي الانطلاقة، أي عندما يكون هناك اهتمام بهذا العلم سنحصل على المزيد من الكوادر البحرينية المتخصصة في مجال الآثار وكذلك المتاحف، كما أود أن أشير إلى أنني سعدت كثيرًا بالتواصل مع بعض الأشخاص معي للإفادة بأنهم لم يكونوا يعلموا بهذا التخصص أو هذا العلم وأنهم الآن على دراية به، بالإضافة إلى أننا أتحنا المجال لطلبة الجامعات للتدرب في المتحف وفي مجال الآثار للحصول على المزيد من المعرفة بما ما يتعلق بشؤون الآثار والمتاحف، وفي الحقيقة، تحظى كل مبادراتنا وبرامجنا بالدعم والمساندة والمساهمة أيضًا من رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة، الذي نعبر له عن كل الشكر والتقدير، وكذلك دعم الزملاء في الهيئة.
لذلك، يمكننا من خلال مواصلة البرامج التثقيفية مثل الآثار الصغير وغيرها أن نخلق كوادر أكثر اهتمامًا بالتراث الثقافي، ويمكننا بعدها تطوير جيل من الخبراء المؤهلين في مجال الآثار، وبالتالي، ستكون هناك قدرة أكبر على تنفيذ أبحاث علمية وترميم المواقع الأثرية وتوفير الإرشاد والتعليم للجمهور والزوار المهتمين بالتراث الثقافي.

يوم التراث العالمي
نختم باليوم العالمي للمواقع الاثرية 18 أبريل، هل من الممكن أن تخبرنا عن هذا اليوم أهمية الاحتفال به؟

الهدف من الاحتفال السنوي بهذا اليوم والذي يصادف 18 إبريل من كل عام هو تعزيز الوعي بشأن التراث الثقافي للبشرية وللأمم في محاولة لمضاعفة جهود حماية التراث والمحافظة عليه، وكانت بداية الاحتفاء بهذا اليوم هو عندما اقترح المجلس الدولي للمعالم والمواقع (الإيكوموس) تخصيص يوم عالمي بهذا الشأن، وتم اعتماده من الجمعية العامة لليونسكو في عام 1983، وقد يطلق عليه أحيانًا في الإعلام العربي مسمى “يوم التراث العالمي”.