+A
A-

Whose life is it anyway؟ حين يطلب الإنسان موته عن طيب خاطر

الفيلم كاميرا تتسلل بنا إلى عوالم لشخصيات من مختلف القطاعات، تتأملهم بحنو، لا ترصد عالمهم الخارجي فقط، بل وتتوغل إلى أغوار أرواحهم، وبعد أن يخرج المتفرج من دار العرض لابد وأن يستعيد عشرات التفاصيل الصغيرة التي يتكون منها الفيلم. هذا ما فكرت به عندما شاهدت فيلم "Whose life is it anyway؟" للمخرج الأميركي "جون بادهام" صانع الفيلم الخالد "حمى ليلة السبت" عام 1977 الذي أنطلق به النجم جون ترافولتا إلى عالم الشهرة، وشكل تغيرا أساسيا وانعطافا واضحا في أفلام الرقص والموسيقى.

أكثر ما يشدك في فيلم Whose life is it anyway؟ تقاطع الأحداث وتشابك خطوط الدراما وتلاحق العين المشهد السينمائي الخلاب، كما أنه يقوم على ركيزتين، قوة الحبكة وإبداع الممثل. النحات كن هاريسون ويقوم بدوره ريتشارد درايفوس، وهو مثال للفنان المبدع والإنسان المليء بالحيوية، يقود عربته وسط مدينة بربرية القبح بضجيج عرباتها وضخامة الشاحنات السائرة في شوارعها. ويصاب النحات في حادث سيارة وينقل إلى المستشفى حيث يتم إنقاذ حياته لكي يبقى مشلولا شللا كاملا. على الفور يبدأ يبرم بحياته وبالحيل الطبية التي تبقيه على الحياة بجسد لا حراك فيه. إنه نحات وحياته من غير ذلك الفن لا قيمة لها وهو لا يريد أن يحاول شيئا آخر فهو يرى أن الحياة هي العمل وليست المحاولة، وعليه فهو يرغب أن يوقف علاجه ويترك ليموت. لكن الطبيب المعالج يرفض ذلك المنطق أن الحياة عنده هي ما عدا الموت. والموت قبيح ومخيف وغير مقبول. وهو يصر على الاحتفاظ بالفنان حيا ولو بالقوة.

إن عرض الآلية البربرية في شوارع المدينة في أول الفيلم تنفي عن الحادثة صفة الصدفة، ويمكن إدراجها في عداد المآسي اليومية. وعليه فالموقف منها يجب أن يكون جزءا من وعي الفرد بنفسه وبما حوله.

الفنان المشلول واقع في قبضة الطبيب الذي يرفض تنفيذ تلك الرغبة في وقف العلاج، فلا يكون أمام الفنان إلا اللجوء للقضاء. أليست المبادئ الأساسية للقانون هي أحد المكاسب الحضارية الأساسية للإنسان. يعطي القاضي المريض الحق في رفض العلاج، وبالتالي يكون قرار القاضي فاجعا ونبيلا في الوقت نفسه، بمعنى أن الإنسان يطلب موته وإنهاء حياته عن طيب خاطر.

الفيلم تجاوز الواقعية التقليدية إلى الواقعية الرحبة، وبين لنا الأسس النفسية والسكيلوجية للسلوك البشري، وهذه ميزة تحسب للمعالجة الإخراجية التي ارتفعت بالمشاهد إلى حد التشويق وتحريك المشاعر الداخلية، لغاية الوصول إلى مستوى تراجيدي قاس ومؤثر في النهاية، فقد اعتاد المخرج "بادهام" في جميع أفلامه مثل "الفك المفترس" و "الهروب من الوقت" و "نقطة اللاعودة" وغيرها وحتى في المسلسلات التلفزيونية التي أخرجها أن يسير في مغامراته على خط واقعي واضح ومباشر. أمام أفلامه لا تملك غير الانبهار والنشوة.