ثمة مقال قديم مطوّل للكاتبة المصرية صوفي عبد الله(روائية وقاصة ومسرحية ومترجمة وناقدة) يكتسب أهمية كبيرة، وقد نُشر في عدد خاص من مجلة " الهلال" القاهرية الصادرة في فبراير/ شباط 1966تحت عنوان" المرأة في أدب طه حسين"، ولعل من قُيّض له قراءة هذا المقال بأناة وتمحّص،ثم أُتيحت له فرصة قراءة كتاب الأديبة والإعلامية البحرينية بروين حبيب " أبصرتُ بعينيها..المرأة في حياة طه حسين وأدبه" سيجد حتماً ثمة تشابه كبير بين الكاتبتين في منهجية البحث وفي طريقة تناول الموضوع،ناهيك عن التشابه في عنواني المقال والكتاب،ولعلك تجد ثمة صورة من صور الاستلهام في كتاب بروين لمنهجية البحث في مقال صوفي،وإن كان استلهاماً إبداعياً يختلف بطبيعة الحال عن السرقة الأدبية. على أن هذا الاستلهام يكاد ينحصر في الجانب الذي عنيت صوفي أساساً بتناوله في مقالها، ألا و هو "المرأة في أدب طه حسين"،فيما أضافت عليه بروين في عنوان كتابها" ... وفي حياته".
والحال أن المنهجية التي اتبعتها صوفي عبد الله تتمثل في عرض وتحليل نماذج نسوية مصرية استقتها من بعض روايات طه حسين،كتجسيد للمرأة المستلبة حقوقها و المسحوقة طبقياً وذكوريا، والمكبلة أيضاً بقوة العادات والتقاليد،تقابلها نماذج نسوية تتطلع للانعتاق والتحرر الاجتماعي، إما باندفاع شديد أو بحذر وسطي يتوخى مسافة بين التحرر ومراعاة العادات والأعراف، وهو حذر يعكس عجزها عن تجاهلها بالمطلق. وإذا كانت صوفي اقتصرت في بحثها على استخراج نماذج نسائية من أدب العميد، فإن بروين حبيب أضافت للتميز عنها جانبين من النماذج النسائية في أدب طه حسين، وقد تناولتها في الفصل الثاني من كتابها : الأول ويخص المرأة الشرقية،وقد استعرضت فيه نماذج سبق لصوفي أن تناولتها في مقالها،على نحو ما تجلت في بعض أعماله الأدبية،مثل "دعاء الكروان" و "شجرة البؤس" و "المعذبون في الأرض". أما الجانب الثاني والذي كان خارج اهتمام صوفي في مقالهافيخص المرأة الغربية حيث تناولت بروين فيه " الحُب الضائع" وصور المرأة في قصص فولتير.
بيد أن تشريح شخوص رواية " دعاء الكروان " النسائية جاء ليشغل حيزاً كبيراً من مساحة المقال، وهذا لعله يعكس مدى اهتمامها الفائق بهذه الرواية وما وجدته في تلك الشخوص المُشرّحة من قِبلها من مرآة صادقة تعبر عن نماذج فعلية يزخر بها المجتمع المصري في تلك الفترة التاريخية القلقة التي عاشها على أعتاب مخاضه الصعب والأليم في الانتقال من التخلف إلى الحداثة.
أكثر من ذلك فقد استلهمت بروين من مقال صوفي النعوت التي أطلقتها على بعض النماذج النسوية التي وردت في رواية "دعاء الكروان" وحاولت محاكاتها مع بعض التغيير، ففي حين جاءت نعوت صوفي في مقالها القديم لثلاثة نماذج من شخوص الرواية على النحو التالي : زنوبة " المستهينة" و هنادي "الجامحة" وسعاد " المعتدة"، فإن بروين جاءت نعوتها لثلاثة نماذج من الرواية نفسها على النحو التالي :آمنة" المتحدية" وزهرة "الخاضعة" وهنادي" الساذجة" والتي هي في مقال صوفي " الجامحة" والثالثه أُمهما زهرة" الخاضعة"، وإن كانت الأمانة تقتضي القول أن بروين حرصت على توخي أكبر قدر ممكن من التمايز عن صوفي في طريقة وأسلوب تناولها لشخصية زهرة. ومع أن بروين حبيب قد أشارت في محاضرة لها في خريف 2022 بمكتبة الشيخ راشد بن مكتوم في دبي إلى مقال صوفي عبد الله ووصفته حقاً بالمقال "اليتيم"، بالنظر إلى أن أحداً لم يكتب عن طه حسين نصير المرأة وأول من فتح لها باب الجامعة على حد تعبيرها،لكن كم تمنينا لو أنها تناولت أو تطرقت إلى مقال صوفي من أي زاوية بحثية أو تحت أي عنوان في كتابها وفاءً لهذه المرأة العظيمة، سيما وأنها استلهمت أو استوحت كما أسلفنا من هذا المقال اليتيم الأفكار المتعلقة بالمرأة في أدب طه حسين لعرض وبسط أفكارها وتحليلها، فذلك لعمري ليس عيباً ولا يضير بمنجزها البحثي بأي حال من الأحوال.
والحق أن مقال صوفي عبد الله "اليتيم" الذي مضى على نشره نحو ستين عاماً والذي نوهنا بأهميته في مستهل حديثنا هو مقال بحثي دراسي بامتياز وفريد من نوعه،يستحق إعادة نشره بأي صورة من الصور، لكي لا يبقى يتيماً أكثر مما بقى في أضابير الإهمال والنسيان، إذ تُعد كاتبته عبقرية زمانها وسابقة عصرها؛ بصفتها امرأة أديبة مصرية وعربية.