في 2007 غادر دُنيانا الطيار الأميركي بول تيبيتس الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما عن عمر ناهز الـ 92 عاماً، وقبل وفاته صرّح بأنه لا يمانع من إلقائها مرة ثانية لو طلبت قيادته منه ذلك، وفي العام الماضي قبيل حضور الرئيس الأميركي بايدن قمة الدول السبع في هيروشيما نفى مستشاره للأمن القومي جاك سوليفان بأن رئيسه سيعتذر باسم بلاده عن القنبلة التي أُلقيت على المدينة اليابانية، لا بل زار متحف القنبلة “متحف السلام” دون أن يرف له جفن، وكتب في سجله فقرة إنشائية خاوية المعنى.
وقبل أسابيع قليلة قدّر مراقبون وخبراء عسكريون أن ما ألقاه سلاح الجو الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي يفوق 25 ألف طن من المتفجرات، بما يعادل قنبلتين نوويتين، فيما طالب وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو حكومته بإلقاء قنبلة نووية على القطاع. ولنقارن الضمير الميت لطيار القنبلة النووية والذي تطابق معه ضمير الرئيس الحالي بايدن، بالضمير الإنساني الحي للطيار الأميركي آرون بوشنل الذي أحرق نفسه الأسبوع الماضي أمام السفارة الإسرائيلية احتجاجاً على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الضالعة فيها حكومة بلاده بمساندتها بكل وسائل الدعم العسكري والمالي والسياسي.
لكن بقدر ما كان موقف هذا الطيار الشريف مثيراً للإعجاب والتقدير لدى الشعب الفلسطيني وشعوبنا العربية، وكل الشرفاء في العالم، فإنه ما كان ينبغي إنهاء حياته بتلك الطريقة البشعة المدعاة للأسى الشديد، فكم تمنينا لو كان بوشنل يتمتع بسعة أفق سياسي أكبر وهو يحمل ذلك الضمير الإنساني الحي بحيث يفرّغ شحنة غضبه بالشراكة مع شحنات غضب جماعية تُترجم في أشكال من الاحتجاجات الجماعية السلمية، سواء من خلال عمل مُنظّم ومدروس داخل المؤسسة العسكرية نفسها؛ لئلا يتورط جنودها في جرائم حرب، أو بالشراكة مع جماعات الضغط أو قوى المجتمع المؤثرة وذات المواقف الشريفة.
* كاتب بحريني