العدد 5620
الإثنين 04 مارس 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
مفاتيح نصر الدين!
الإثنين 04 مارس 2024

قالت: الحياة خيار، ولا وجود لأي خيار مثالي، فكل خيار ينجر عنه أسف ما! قلت: وماذا إذا كانت الخيرات معدومة؟ وليس أمامنا سوى المضي قدما في طريق مرسومة سلفا؟ وماذا إذا كان الخيار بين وجود وعدم؟ كم نرجو أن يكون بوسعنا اختيار ما يرضينا فعلا، ويجعلنا أسعد. بل ماذا إذا كان خيارنا الوحيد سببا في تعاسة آخرين؟!
قالت: نحن نمتلك حرية الاختيار حتى إن افتقدنا الحرية نفسها، عندما يكون الخيار داخل أنفسنا، بدلا من البحث عنه خارجها، فالسعادة والرضى والحب والفرح وكل شيء تقريبا يرتبط بدواخلنا. وأستحضر هنا حكاية الملا نصر الدين وقصته مع المفاتيح الضائعة: “عندما رآه الناس يبحث عن مفاتيحه وسط الشارع، انضموا إليه لمساعدته، سأله أحدهم أين أوقعت المفاتيح على وجه التحديد؟ ولدهشة الجميع أجاب نصـرالدين بأنه فقد المفاتيح داخل بيته، وليس خارجه، فسألوه: إذا كنت قد فقدتها في البيت، فلماذا تبحث عنها في الشارع؟ أجاب: ببساطة: “لأن الإضاءة في الشارع كافية في حين أنها داخل البيت معدومة”. فأنا أتفق مع بطل الحكاية بأن الجميع يبحث عن مفاتيح السعادة أو الحب أو الصحة أو الثراء أو الحرية أو السلام خارج أنفسهم، في حين هي كامنة داخل أنفسهم! قلت: هذا منظور صوفي، لا يساعد على دفع الفواتير، أو توفير لقمة العيش أو الحصول على لحظة سعادة ملموسة. وإذا ما كنت تعتبرين لحظة الإشراق الصوفي لحظة سعادة داخلية، فهذا يشبه لحظة السعادة التي يشعر بها المدمن عندما يتناول ما أدمنه من وسائل الهروب والنسيان اللحظية، لكنه في النهاية يعود لمواجهة قساوة الحياة. لذلك فإن معنى السعادة الداخلية يحيل إلى حرية السجين في سجنه، والأعمى في ظلمته والجائع في جوعه! قالت: المشكلة أننا نخاف من كل شيء خارجي، نحبه ونرغب فيه فعلا، فنحن نردد دائما: النجاح والشهرة يؤديان إلى الغرور وفساد الروح، والمال بذرة كل الشـرور، والحب أعمى والسعادة أنانية، وهكذا نجد أنفسنا في نفق العدم فنستسلم للأفكار المظلمة. فدع الناس تبحث عن المفاتيح بداخلها بدلا من الاستسلام للإحباط واليأس.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .