العدد 5619
الأحد 03 مارس 2024
banner
البرمجة التفاعلية سيف ذو حدين
الأحد 03 مارس 2024

مؤكد أن النمو الهائل للبرمجة التفاعلية، والتي يشار إليها غالبًا بالذكاء الاصطناعي، أحدث ثورة في العديد من جوانب حياتنا اليومية، فمن تعزيز الإنتاجية إلى تمكين الحلول المبتكرة، تتملك هذه التقنية فعل الضدين، فقد تفتح أبواب الخير الذي سيرسم مستقبل البشرية، وأبواب شر لا حدود له ما لم نتصدى للموازنة بين الابتكار والاعتبارات الأخلاقية.
وبصفتي مؤلف أول كتاب نُشر مؤخرًا يتعمق في عالم “البرمجة التفاعلية” المسماة الذكاء الاصطناعي، كان هدفي هو تقديم رؤية شاملة لهذا المفهوم المتطور، فمن خلال استكشاف البرمجة التفاعلية، أسعى إلى تزويد القراء بفهم دقيق لاستخدامها الأمثل مع تعزيز المعرفة بنقاط القوة والضعف الكامنة في هذه التكنولوجيا، وجهدت بتحديد هذه القيود، وخلاصة خبرتي لتسهيل الفهم العميق للتحديات المتأصلة في هذه التقنيات الديناميكية.
ومع استمرار تطور البرمجة التفاعلية في إنتاج محتوى لا يمكن تمييزه عن الإبداع البشري، تتزايد أيضًا المعضلات الأخلاقية المحيطة باستخدامه، وتفاقم المخاوف بشأن احتمال إساءة استخدامه وتبرز الحاجة إلى تنظيم فعال.
وأقول إنه يجب وضع أطر تنظيمية شاملة للتحكم في استخدام البرمجة التفاعلية ويجب أن تعمل مثل هذه الأطر على الموازنة بين الابتكار والاعتبارات الأخلاقية، مما يضمن أن تقنية البرمجة التفاعلية تخدم الصالح العام دون المساس بالقيم الإنسانية الأساسية.
لذا أرى من الضروري إنشاء نظام قيمي توجيهي وإطار تنظيمي، ففي قلب الحوكمة الأخلاقية للبرمجة التفاعلية يكمن مبدأ الابتكار المسؤول، بما لا يستلزم توقع الأضرار المحتملة وتخفيفها فحسب، بل أيضًا تعزيز النتائج المفيدة بشكل استباقي، إذ أنه ومن خلال دمج وجهات نظر متنوعة وإشراك جميع الأطراف في عملية صنع القرار، يمكننا ضمان توافق تقنيات البرمجة التفاعلية مع قيمنا وتطلعاتنا الإنسانية.
علاوة على ذلك، يجب أن تمتد حوكمة البرمجة التفاعلية الأخلاقية إلى ما هو أبعد من الامتثال التنظيمي لتشمل اعتبارات مجتمعية أوسع، بحيث تشمل تعزيز المساواة وإمكانية الوصول في تطوير البرمجة التفاعلية ونشرها، فضلاً عن الحماية من التحيز والتمييز، ويمكن ذلك من خلال تعزيز ثقافة الإشراف المسؤول على البرمجة التفاعلية، حتى نصل إلى بر الأمان في تسخير الإمكانات التحويلية للبرمجة التفاعلية مع الحماية من مخاطرها.

أحد الأمثلة البارزة على هذه المخاوف هو القرار الذي اتخذته هيئة تنظيم الاتصالات في الولايات المتحدة بحظر المكالمات الآلية التي تتضمن أصواتًا تم إنشاؤها بواسطة البرمجة التفاعلية وتؤكد هذه الخطوة، التي تهدف إلى الحد من الأنشطة الاحتيالية، على الحاجة الملحة لمعالجة المخاطر المرتبطة بتقنيات البرمجة التفاعلية.
 ورغم أن هذه القواعد التنظيمية تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها تسلط الضوء على القضية الأوسع المتمثلة فيما إذا كان البشر يمتلكون القدرة على إدارة المخاطر الكامنة في البرمجة التفاعلية والسيطرة عليها بشكل كامل.
ومن الأمور الأساسية في هذا المسعى الاعتراف بالتأثير المحتمل للبرمجة التفاعلية على البشرية، ففي حين تحمل هذه التقنية وعوداً هائلة، فإن انتشارها دون رادع يفرض أخطارا كبيرةً، بما في ذلك إزاحة الوظائف، وانتهاكات الخصوصية، وعدم المساواة المجتمعية. ويتطلب التصدي لهذه التحديات نهجا متعدد الأوجه يعطي الأولوية للشفافية والمساءلة والشمولية.
يجب علينا بشكل جماعي أن نرتقي إلى مستوى التحدي المتمثل في التعامل مع تعقيدات البرمجة التفاعلية بشكل مسؤول حتى نتمكن من تسخير الإمكانات الكاملة لها مع الحماية من مخاطرها ولا أرى أن ذلك ممكن من دون التعاون الاستباقي بين الدول والمؤسسات من أجل الخير في عالمنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية