+A
A-

للقراءة: كتاب "شفرة الموهبة"

جاء في شفرة الموهبة؛ عندما كان مايكل أنجلو يعزف مقطوعة موسيقية وجاءته الملكة تقول له إنك موهوب وعبقري فرد قائلاً لوعلمت مقدار الجهد الذي بذلته في العمل لما اعتبرتني عبقرياً.

أولاً الموهبة … هبة من الله أم إجتهاد شخصي؟
الموهبة شيئ فطري …هذا ما قاله البعض، ولكن لو هذا صحيح لماذا تتمركز مواهب معينة في أماكن معينة؟ مثل البرازيل ينتشر بها لاعبي كرة القدم وروسيا الشمالية وأوروبا ينتشر بها هواية الشطرنج، إذا كان هذا من قبيل الجينات الوراثية الفطرية لماذا الصين والهند وهم من أكبر الدول تعداداً للكثافة السكانية لم تظهر عندهم مثل هذه المواهب؟
وبعض دول إيطاليا وقت عصر النهضة فقد خرج من بلد واحدة (جاليليو- ليوناردو دافينشي – مايكل انجلو) وبعد عصر النهضة لم يتميز بها أحد، هذا ما يدعونا للتكلم عن العوامل المؤثرة في نجاح الإنسان:

1- الجينات الوراثية

هي عامل من أحد العوامل المؤثرة في النجاح وخاصة إذا كنت ولدت بصفة غير منتشرة بين الناس مثل النشاط الذهني أو قوة المناعة أو الصوت العذب أو بعض الصفات الغير محبوبة مثل الشلل أو نقص مناعي فهى ليست بمهارة، فلا أحد يولد بمهارات ولكن قد يولد البعض بصفات جينية تسهل إكتساب مهارات معينة، فالصفات الجينية المميزة ليست ضمان أكيد للنجاح ولا الصفات الجينية الغير مميزة مثل الإعاقة ضمان أكيد للفشل.

2- البيئة والمجتمع
البيئة والمجتمع لهم تأثير كبير على سلوكيات الفرد وإهتماماته فمثلاً إذا ولدت في البرازيل فإنك من المحتمل بشكل كبير أن لعب كرة القدم سيكون من أهم هواياتك لأن البيئة تشجع عليها،
على عكس إذا ولدت بروسيا فإن إهتمامك الأكبر سيكون للشطرنج لأن البيئة هناك تهتم بهذه اللعبة، فإن البيئة والمؤسسات والخدمات والمستوى التي عليه من أهم الأسباب والعوامل التى تؤثر في سلوك الفرد وإهتماماته سلباً أو إيجاباً.

3- التربية
من المؤكد أن التربية التي حصلت عليها من الأبوين أو معلمي المدرسة من العوامل المؤثرة أيضاً في نجاح الإنسان فمن الممكن أن تنشأ في بيئة سيئة وأبويك يحمونك منها، أو البيئة تكون صالحة وعدم وعي الأبوين يحرمونك من كل الفرص التي تحصل عليها.

4- الإختيار والإرادة
وهو الجزء الأكبر الذي يتم من خلاله أي نجاح نلاحظ أن الثلاث عوامل السابقة لا تملك بهم الخيار ولكن الجزء الأكبر يتوقف على إرادتك الحرة، فلو ولدت مثلاً بصوت عذب فمن الممكن أن تختار تلاوة القرآن الكريم أو أن تكون مطرب شعبي أو تكون معلق صوتي أو تكون طبيب فتتجاهلها تماماً فلا أحد يُولد بصفة تلاوة القرآن فولادتك بصفة جينية مميزة ليس ضمان للنجاح ولا ولادتك بإعاقة ضمان للفشل فكثير من الأشخاص الناجحين ولدوا بمرض أو إعاقة مثل (سعيد بن المسيب- موسى بن نصير- عطاء بن أبي رباح) وفي العصر الحديث (John nash- Helen keller- stephen hawking) فهؤلاء الأشخاص إعاقتهم كانت هى السبب في نجاحهم وهذا يذكرنا بقول أبي تمام:
والخلاصة أن هناك أكثر من عامل من الممكن أن يؤثرعليك مثل الجينات والبيئة والتربية ولكن إختيارك الشخصي وإرادتك هو العامل الأكبر المؤثر عليك وبالتالي نجاحك أو فشلك بمقدورك وحدك تحديده وليس شئ خارج إرادتك فإتقانك لعملك يصل بك لمرحلة أن تعمل العمل بحرفية حتى يُقال لك أنك موهوب.

ثانياً: صناعة الموهبة
هل الموهبة تُصنع؟ وكيف؟ نعم الموهبة تُصنع وهناك ثلاث عناصر أساسية لصناعة الموهبة:

1- إشعال الرغبة Ignition
وهذه تكون بإشعال رغبة التعلم بداخلك ويأتي عن طريق تشجيع الأسرة لأبنائهم أو إنتشار لعبة أو مهارة أو مشاهدة فيديو يثير إهتمامك، فمثلا في كوريا الجنوبية فازت إحدى لأعبي الجولف ببطولة كأس العالم، قبل هذا الحدث لم يهتم أحد بلعب الجولف في كوريا الجنوبية ولكن إشعال الحماسة في قلوب الكبار والصغار أن يتعلموا هذه اللعبة، لماذا يكون عدد كبير من التمييز في الغناء والكورة والتمثيل؟ لأن وسائل الإعلام تسلط الضوء على هذه المجالات كنموذج للتميز والنجاح فتشعل الرغبة في قلوب الأطفال والشباب لهذه المجالات فإن كنت أباً أو أماً فعليك توجيه أولادك لتعلم عادات مفيدة وهادفة للمجتمع حتى وإن كانت في الكورة والغناء ولكن لابد أن يكون له هدف في ذلك.

2- التدريب العميق Deep practice
التدريب العميق يحتاج لمجهود صعب كي يتكون لدى الإنسان فكل مهارة أو عادة أو سلوك تتمثل داخل مخ الإنسان على شكل دائرة عصبية يمر من خلالها الإشارات العصبية التي تمثل الأوامر التي يقوم بها المخ وتختص بمهارة معينة من خلال دوائر عصبية،

الدوائر العصبية هى مجموعة من الخلايا العصبية المتصلة ببعضها البعض، سرعة مرور الإشارات العصبية بين الخلايا يمثل مدى إتقانك لمهارة معينة وطريقة تنفيذها بالنسبة لك،

التدريب العميق بيساعد على تشكيل مادة اسمها المايلن حول الروابط العصبية وهى لها فؤائد كثيرة من أهمها سرعة مرور الإشارات العصبية التي تمر من خلال الروابط العصبية فكلما كانت طبقة المايلون أكثر سمكاً كانت سرعة الإشارات أعلى وبالتالي تنفيذ الفعل أو السلوك يكون أسهل، لذلك فإنك تعاني في بداية الأمر عند تعلمك عادة أو سلوك جديد ثم بعد ذلك فإن الأمر يصبح أسهل لدرجة أنك تفعله دون تفكير أو عناء أو مجهود،فإن الكاتب يوضح لنا كيفية اكتساب المهارات وتكونها وإنها تصنع بالتكرار والتعلم من الأخطاء.

3- معلم أو مرشد Master coaching
الإنسان قادر أن يتعلم بمفرده من خلل التجربة والخطأ ولكن في وجود معلم أو مرشد فإن ذلك يوفر سنوات من المجهود والمحاولات الغير مثمرة مثلا سيبويه عالم النحو الشهير الكل يعرفه لكن لا أحد يعلم الخليل بن أحمد الفراهيدي وهو معلمه،

ومايكل أنجلو أحد فانين عصر النهضة والذي يوصف بأنه عبقري موهوب بالنظر لأعماله الرائعة في شبابه بدأ الرسم والنحت في سن ست سنوات على يد معلمي مدينة فلورنسا، فكثير من الأحيان يتفوق التلميذ على معلمه ولكن بدونهم لا يستطيع الوصول لهذا المستوى من المهارات .


كيف يمكنني أن أكتشف موهبتي؟

ليس شرطاً أن يولد مع كل إنسان بصفة جينية مميزة ويظل طوال حياته يبحث عنها إعتقاداً منه أنه عندما يكتشفها فهذا هو النجاح، فهذا ليس منطقياً فالموهبة تولد بالتكرار والمحاولة والإصرار عليها .

ثالثاً: خلاصة وتعقيب
يقول اينشتين في بعض كتاباته وقد ترجمت للعربية وهى تقول (الحكاية إني مش ذكي جداً ولكن ذكائي إني بحاول في حل المشكلات لفترات أطول ) يقول اينشتين في بعض كتاباته وقد ترجمت للعربية وهى تقول (الحكاية إني مش ذكي جداً ولكن ذكائي إني بحاول في حل المشكلات لفترات أطول ) ومايكل أنجلو عندما كان يعزف مقطوعة موسيقية وجاءته الملكة تقول له إنك موهوب وعبقري فرد قائلاً (لوعلمت مقدار الجهد الذي بذلته في العمل لما اعتبرتني عبقرياً) مع العلم أنه كان من الممكن أنه ينسب الفضل في ذلك إلى موهبته ولكن أعتبر أنه ظلم لإجتهاده.
وقد قال الله تعالى “وأن ليس لإنسان إلا ماسعى، وأن سعيه سوف يرى” فالعبرة ليست بالظروف الجينية ولا البيئية ولا الأُسرية ولكن حياتنا هى عدة اختيارات وقرارات وعليه نسعى ونجتهد فالإيمان يتبعه عمل والقرار يتبعه عمل أيضاً وهو ما يصل بنا للنجاح المطلوب فلا يمكن مقارنة النتائج التي وصلت إليها بالنتائج التي وصل إليها غيرك، ولكن قارن مقدار سعيك فهو الوحيد من بمقدوره أن يغير حياتك من حال إلى حال.