العدد 5601
الأربعاء 14 فبراير 2024
banner
عصر الصين أم عالم اللاأقطاب
الأربعاء 14 فبراير 2024


تقودنا حالة الارتباك العالمي الأخيرة إلى طرح علامة استفهام حول المستقبل القادم أمميا وكونيا، وأية قوة ستحل محل أميركا حال سقوطها؟ وهل هي الصين تحديداً أم غيرها؟
دون أدنى شك تبقى الصين ظاهرة بحاجة إلى قراءات معمقة لفهم أبعاد نهضتها، ودورها الرائد وربما القائد في آسيا اليوم، غير أن أحدا لا يغفل صحوة الدب الروسي لاسيما في زمن بوتين، والتي تجعل من سياسات آسيا ثنائية التوجه، غير أحادية، وهذا ما يتجلى في منظمة شنغهاي، ولهذا فإنه ليس من الغريب أو المستغرب أن نرى مناورات عسكرية روسية - صينية بغزارة في الأعوام الأخيرة. لكن التساؤل الأكثر إثارة: "هل الصين مهيأة لتقود العالم في القرن الجديد؟". عند "حكيم أميركا" الراحل زيجينو بريجنسكي، وفي محاولة منه لاستشراف التداعيات المستقبلية لسقوط "الزعيم عن سدة زعامته"، أن الصين غير جاهزة بعد، ولن تكون كذلك بعد 20 عاما، أما الأضرار التي ستترتب على سقوط الولايات المتحدة الأميركية دفعة واحدة، فهي في نظر الرجل الذي شغل مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيمي كارتر فادحة، سواء بالنسبة للصين أو غيرها من القوى العالمية والإقليمية الكبرى، القوية والضعيفة على حد سواء، والتي ستهرع إلى الاصطفاف وفق ما يلائم مصالحها الخاصة، في ظل غياب قوة عظمى تضبط المصالح العالمية المشتركة. عصر من إذا هو؟
عصر اللاأقطاب، هكذا يؤكد المنظر والدبلوماسي الأميركي الشهير ريتشارد هاس، في ورقته الشهيرة "عصر اللاأقطاب" الصادرة ضمن عدد مجلة الفورين بوليس في حزيران 2008، وباختصار غير مخل فإن القرن الحادي والعشرين، وعلى عكس القرن العشرين سيكون قرنا متعدد القطبية، يشمل أقطابا عديدة متمايزة أو مراكز قوة موزعة حول العالم، وفي ذلك النظام لن توجد قوة واحدة مهيمنة، ويمكن لأنظمة متعددة الأقطاب أن تصبح متعاونة، حتى أن بإمكانها أن تأخذ على عاتقها صيغة انسجام القوى (كونسرت قوى) التي تعمل فيها بضعة قوى رئيسية معا على تأسيس قوانين اللعبة وتأديب أولئك الذين ينتهكونها، كما يمكن لهذه القوى أن تكون تنافسية، تنافس يدور حول توازن القوى، أو تنافس تصارعي، عندما ينهار التوازن.
وفي سياق الرؤية الاستشرافية لعالم القرن الحادي والعشرين بتجاذباته وتعاطياته، تظل إشكالية المؤسسات الدولية، والتي تخلقت في ظروف تاريخية، أعقبت الحرب العالمية الثانية قائمة وقادمة، وهنا ويثور السؤال هل حان وقت إحلالها وإبدالها بمؤسسات أخرى أكثر فاعلية وملاءمة مع مقتضيات العصر وحاجاته ومواكبة لتطورات الأحداث وآنيتها؟
هناك عدد من تلك المؤسسات التي يشار إليها، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، والتي حكماً باتت فاعليتها منقوصة عبر العقود التي تلت تأسيسها، وبنفس القدر توجه الاتهامات لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، غير أن الحديث عن الأمم المتحدة يبقى هو المسيطر والمهيمن في الأجواء الدولية اليوم وغداً.
في العام 2007 أصدر "فرانسيس فوكاياما" البروفيسور أستاذ كرسي برنارد ال. شوارتز للاقتصاد السياسي الدولي، في جامعة هوبكنز الأميركية، ومؤلف الكتاب الأكثر جدلاً في التاريخ الحديث "نهاية التاريخ".. كتاباً يحمل عنوان "أميركا على مفترق الطرق" ما بعد المحافظين الجدد".
ضمن فصول الكتاب فصل يحمل عنوان "معاودة التفكير في مؤسسات من أجل نظام عالمي"، وفيه يقر بأن العالم اليوم لا يمتلك ما يكفي من المؤسسات الدولية، التي تستطيع أن تسبغ الشرعية على العمل الجماعي، وسيكون إنشاء مؤسسات جديدة تستطيع أن توازن على نحو أفضل متطلبات الشرعية والفاعلية الواجب الأسمى للجيل القادم.. هل إنشاء عصبية الديمقراطيات هو الحل؟ 
هناك من يقترح للعقود القادمة هذه الفكرة لاسيما وأن فكرة "عصبة الديمقراطيات" تعكس بشكل مفيد الحاجة الماسة إلى إعادة بناء شرعية التعزيز الغربي، وربما العالمي للديمقراطية بمفهومها الكلاسيكي الخالص بعيداً عن التفسيرات البراجماتية الأميركية، أحادية التوجه لخدمة مصالحها.
يبدو الضباب مخيما على النظام العالمي لحين إشعار آخر.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .