العدد 5594
الأربعاء 07 فبراير 2024
banner
هل كان العرب يوما عنصريين؟
الأربعاء 07 فبراير 2024


تستدعي أزمة غزة والأهوال الحادثة في قطاعها والتي تنطلق من روح عنصرية التساؤل: "هل كان العرب يوما في تاريخهم عنصريين، لاسيما تجاه اليهود؟". علامة الاستفهام المتقدمة بحاجة إلى مؤلفات قائمة بعينها، لاسيما إذا عاد بنا الزمن إلى القرون الوسطى، حيث كانت محاكم التفتيش تطارد كل يهودي في أوروبا، وقد تعرض غالبيتهم لأهوال العنصرية، ما دعا الآلاف منهم لترك أوروبا، ومن ثم التوجه إلى دول شمال أفريقيا، حيث العالم العربي على الشاطئ الآخر من الأطلسي.
عاش اليهود في العالم العربي قرابة أربعة قرون، باشروا خلالها معظم الوظائف الاعتيادية، وقد بلغوا في أوقات بعينها مرتبة وزراء البلاط، ومستشاري السلاطين، وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بلغوا شأنا عاليا في غالبية الدول العربية ومنها مصر. في مؤلف "يهود مصر في القرن العشرين"، لمؤلفه الطبيب الشهير الدكتور محمد أبوالغار، الكاتب والمؤرخ الشهير، سرد واسع ورائع عن أحوال هذه الطائفة في أرض الكنانة، وكيف كانت مشاركاتهم ونمط حياتهم، الأمر الذي يدفع بعيدا جدا عن المصريين العرب تهمة العنصرية في أي وقت من الأوقات. هل من مشكلة حقيقية في كتابة تاريخ يهود مصر، وقد حاول البروفيسور أبوالغار تجاوزها في مؤلفه القيم هذا؟ الشاهد أن جزءا كبيرا من مشكلة كتابة تاريخ اليهود المصريين، وغالبا اليهود العرب، يرجع إلى وجود القضية الفلسطينية وأهميتها وإنشاء الدولة التي ينظر إليها من جانب المصريين والعرب كرمز للاحتلال، ويراها اليهود الحل العادل لمشكلة اليهود المشتتين حول العالم. في كتابه الموسوعي يبين أبوالغار حقيقة غاية في الأهمية وهي أن المصريين والعرب لم يعرفوا أبدا العداء للسامية، فقد رحب الآباء والأجداد باليهود الهاربين من العداء للسامية. "هل إنشاء دولة إسرائيل السبب الأساسي في خروج اليهود من مصر؟". 
يجيب الدكتور أبوالغار بقوله: "أعتقد أن هذا بالطبع سبب مهم، لكنه ليس السبب الرئيسي، فقد قامت إسرائيل عام 1948، وكانت بوادر قيامها واضحة للجميع قبل ذلك بعدة سنوات، ومع ذلك هاجر إلى الخارج عشرون في المئة فقط من اليهود المصريين خلال السنوات العشر منذ عام 1946 حتى عام 1956، وذهب أقل من نصفهم إلى إسرائيل، وعاشت الغالبية العظمى من اليهود ثماني سنوات كاملة بعد إعلان دولة إسرائيل حتى عام 1956، حين خرج معظمهم بعد العدوان العسكري الإنجليزي الفرنسي الذي اشتركت فيه إسرائيل.
هنا يطفو على السطح تساؤل مثير آخر: "لماذا خرج اليهود بعد 1956، ولم يخرجوا بعد 1948؟".
الإجابة عند المؤلف أنه خلال الفترة منذ عام 1949، بدأ تطبيق قانون إلغاء الامتيازات الأجنبية، وكذلك أعطى قانون العمل الجديد حقوقا وأفضلية للمصريين، حيث إن اليهود المصريين كان معظمهم يحمل جنسية أجنبية، أو بدون أية جنسية، وأصبح اليهود في الظروف الجديدة في وضع غير مميز، ومن لم يحمل الجنسية المصرية وجد صعوبة في الحصول على وظيفة، وتأثر بذلك عدد من محدودي ومتوسطي الدخل. 
ولعل السؤال الأخير الذي يطرحه المؤلف يستحق الوقوف أمامه طويلا.. لو لم تكن هناك دولة إسرائيل ولا تيار الصهيونية العالمية ولا النزاع العربي الإسرائيلي، فكيف كان سيصبح مستقبل اليهود المصريين وغيرهم؟
في تقدير الدكتور أبوالغار أن هجرة اليهود المصريين إلى أوروبا كانت ستحدث، ذلك أن معظمهم حضروا إلى مصر سعيا وراء الرزق والمستوى الأعلى للمعيشة، وهو ما أعطته مصر بسخاء، لكن بعد الحرب العالمية الثانية وتنفيذ مشروع مارشال في أوروبا تغيرت الموازين لصالح أوضاع أوروبا الاقتصادية ومن هنا كانت حتمية هجرة يهود مصر إلى الخارج.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .