العدد 5587
الأربعاء 31 يناير 2024
banner
واشنطن – بكين وفخ ثيوثيديدس
الأربعاء 31 يناير 2024

قبل نحو أربعمئة عام، استشعرت مدينة أسبرطة القديمة، خطرا كبيرا قادما، يتهدد قوتها وفرادتها العسكرية من جانب أثينا المدينة الأكبر والأهم في النطاق الجغرافي لمنطقة اليونان القديمة. كان هذا الشعور كفيلا بإدخال الطرفين حربا ظلت قرابة ثلاثين عاما، عرفت باسم الحرب "البيلوبونيزية"، والتي استطاعت فيها القوة القطبية القائمة أن تسحق وتمحق نظيرتها القادمة.
استحدث عالم السياسة الأميركي "غراهام أليسون" مصطلح "فخ ثيوثيديدس" نسبة إلى المؤرخ الإغريقي الذي وضع مؤلفا خاصا بهذه الحرب. اليوم يتساءل المتسائلون: "هل سيكرر التاريخ نفسه، وتحدث مثل هذه المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية، القطب القائم، والمنفرد تقريبا بمقدرات العالم، في مواجهة الصين القطب القادم بخطى أبطأ لكن ثابتة؟ ما الذي أعاد هذا التساؤل لدوائر التفكير مؤخرا من جديد؟ المؤكد أن القرار التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن ويحمل رقم 14105، هو السبب، ذلك أنه يتعلق بنوع من أنواع إعلان الحرب على الصين، لكنها حرب غير عسكرية بل اقتصادية. يهدف هذا الأمر التنفيذي إلى منع كبريات الشركات الأميركية من الاستثمار في السوق الصينية، لاسيما في ثلاث مجالات: الرقائق الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكومومية، ما يعني أن هناك إرادة أميركية لخنق الصناعات التي تعتبر أساسية على أرض المعركة وفي الفضاء. لم يعد الصدام بين واشنطن وبكين قسرا على البحار والمحيطات، أو في البر، بل بات الفضاء الخارجي موقعا وموضعا للصراعات القادمة، ضمن ما بات يعرف بحرب النجوم أو الكواكب. لم ولن يغفل الأميركيون عن طموحات الصين في الفضاء الخارجي، لاسيما بعد أن أرسلوا مركباتهم إلى الجانب المظلم من القمر، ومن البديهي أنهم يسارعون في طريق عسكرة الفضاء، بعد يقينهم بأن واشنطن تفعل ذلك وأكثر ضمن برامجها السرية. هنا تبدو المجالات الثلاثة التي أشرنا إليها، دائرة من ضمن دوائر الصراعات بين أميركا والصين، ولدى الأميركيين يقين بأن الشركات التجارية الصناعية، تعمل لحساب القوات المسلحة الصينية، والتي تتمدد في الفترة الأخيرة بشكل كبير وواسع حول العالم، وربما نراها في موضع قوة آخر مع نهاية العقد الجاري. 
سوف يدخل القرار التنفيذي 14105 دائرة التفعيل خلال بضعة أشهر، وسيعد بالنسبة للصين نوعا من أنواع إعلان الحرب، وهو ما تواريه أو تداريه واشنطن، حيث إنها تعتبر الاستثمارات الأميركية في تلك المجالات، كفيلة بأن تهدد الأمن القومي الأميركي.
يقول الروائي، إن غالبية اصحاب المحافظ الاستثمارية الأميركية الكبيرة، سيستجيبون بسرعة كبيرة للانسحاب من السوق الصينية، ذلك أنه ما من أحد من هؤلاء يود أن يقوم بزيارته مفتشون من وزارة الخزانة الأميركية، أو من وزارة العدل، ولهذا بالفعل توقف القائمون على صندوق معاشات التقاعد الرئيسي لموظفي الحكومة الاتحادية منذ نوفمبر الماضي، عن التفكير في الاستثمار في الصين أو هونغ كونغ، خوفا من أن تفرض عليهم عقوبات اقتصادية، بسبب استثماراتهم في الصين. 
يحاجج الأميركيون بأن الصين وطوال عقود كانت تفرض قيودا على استثماراتها في الخارج، في حين كانت واشنطن تأمل أن تمضي بكين في درب التجارة الحرة، وهو ما لم يحدث، فهل حان الموعد لقراءة أميركية في المعكوس؟ 
الأزمة التي ترتقب العلاقات الصينية – الأميركية عميقة، وقد فشلت كل الإجراءات التي حاولت تخفيف حدة الخلاف، والملاحظ هذه المرة، أن هناك توافقا بالإجماع بين البيت الأبيض والكونجرس الأميركي على التضييق على الصين إلى حد الخنق.
هل سيبادر بايدن بوضع هذا الأمر التنفيذي موضع الجريان والسريان قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل؟
قد يفعل ساكن البيت الأبيض ذلك، بهدف زيادة شعبيته وإظهار قدرته على الدفاع عن الأمن القومي الأميركي، لكن ربما فاتته ردات الفعل الصينية، ما يعني أن فخ ثيوسيديديس قد يفغر فاه عما قريب.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية