العدد 5580
الأربعاء 24 يناير 2024
banner
التعايش السلمي وزمن "القرن الأميركي"
الأربعاء 24 يناير 2024


من بين أهم الأسئلة التي يتعرض لها الباحثون في عالم السياسات الدولية، وفي مطلع كل عام، التساؤل عن حالة السلم والحرب، وما إذا كان العام الجديد سيحمل سلاما كونيا، أم صراعا أمميا، يدخل العالم في دوامات من الحروب والأزمات المتنوعة، تلك التي تبدأ من عند الصراعات الآيديولوجية، وصولا إلى الصدامات العسكرية. يعن لنا أن نتساءل هذه الأيام: هل الانقسام والمواجهة الكونية الكبرى باتت قدرا مقدورا في زمن منظور، ما يفيد بأن الحديث عن التعايش السلمي أمر أضحى من قبيل الرفاهية التي لا محل لها في عالمنا المعاصر؟
الشاهد أن مصطلح "التعايش السلمي" يستدعي إلى الأذهان فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، فقد كان الزعيم السوفييتي الشهير بخشونته فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، أول وأعمق من أدرك أن العقيدة الشيوعية المتمثلة في الصراع الأبدي بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي تجاوزت الحقبة التي كانت فيها مفيدة. آمن خروتشوف واعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية، لن تكون جاهزة للثورات الشيوعية في أي وقت قريب، كما أنه من غير المرجح أن تتمكن من إزاحة الأنظمة الشيوعية في الكتلة السوفييتية، لذا كان على النظامين الشيوعي والرأسمالي أن يعيشا جنبا إلى جنب. هل نجح نموذج التعايش هذا رغم كل الاحتكاكات في الظلام والتتابع في الزحام، بين وارسو والناتو؟ مؤكد أن نموذج "التعايش السلمي "الذي تفهم أبعاده خروتشوف، وجد آذانا صاغية عند الأخوان كيندي، جون الرئيس، وروبرت المدعي العام، ولهذا استطاع العالم أن يعبر أزمة نووية كانت كفيلة بإشعال العالم نوويا وبصورة غير مسبوقة. هنا يتحتم القول، إنه ربما لم يكن مظهر التعايش السلمي خلال الحرب الباردة جميلا، إذ كانت الاحتكاكات كثيرة، كما كان كل جانب يرعى مجموعة من الوكلاء في معركة من أجل بسط النفوذ العالمي، لكنه كان ناجحا في منع الصراع العسكري المباشر بين قوتين عظميين مسلحتين بالكامل بأسلحة نووية.
اليوم وباعتراف الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الأميركي، هناك ثلاثة قوى قطبية وعدد من الدول النووية حول العالم.
لكن ما الذي يجعل اليوم مختلفا عن الأمس؟
المؤكد أن رؤية المحافظين الجدد التي بلوروها عام 1997، هي السبب. 
جاءت تلك الرؤية تحت عنوان "القرن الأميركي"، ومعناه باختصار غير مخل، أن القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن يكون قرنا أميركيا بامتياز، بمعنى أن تهيمن واشنطن على مقدرات الخليقة من أقصى الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، برا وبحرا وجوا. 
كان المقصود أن يبقى الدب الروسي مقيدا، والتنين الصيني نائما يغط في التيه الأعظم، وقد تم تطوير هذه الرؤية في العام 2010، وجاءت تحت عنوان "الاستدارة نحو آسيا".
أدرك الروس والصينيون أن هناك فصلا جديدا من عدم التعايش السلمي تتم كتابته، منذ غزو أفغانستان 2001، والعراق 2003، وصولا إلى مواجهات غزة اليوم والتي قد تكون الفتيل المقصود به قوى أخرى في المنطقة، وهي لا تغيب عن الأعين أي إيران، وبتحالف ودعم واضحين لإسرائيل، من أجل إعادة كتاب نظام عالمي جديد، بمداد غربي لا يفرغ منذ نحو خمسمائة عام، حيث قامت تلك المراكز بامتصاص ثروات التخوم الأممية.
هل العالم على موعد مع ما هو أكثر خطورة بسبب الرؤية الأميركية وردات الفعل الروسية الصينية؟
تبقى كل الاحتمالات واردة، والسيناريوهات مفتوحة، وما من أحد قادر على حسم تحركات رياح الأحداث، ويخشى الجميع من لحظات سخونة الرؤوس الكفيلة بأن تدفع العالم برمته في منحدر السقوط، إلا من رحم ربك.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .