العدد 5596
الجمعة 09 فبراير 2024
banner
الدبلوماسية البرلمانية الدولية تنتصر لغزّة
الجمعة 09 فبراير 2024


ازدهرت الدبلوماسية البرلمانية في مجال العلاقات الدولية في ظل العولمة التي ساهمت في تقلص المسافة بين المحلي والدولي في حياة الشعوب والمجتمعات. لكن البعض يعتبر أنّ مفهوم الدبلوماسية البرلمانية غير صالح، ولا توجد إلا دبلوماسية واحدة معترف بها هي دبلوماسية الحكومات، خصوصا أنّ قرارات الدبلوماسية البرلمانية غير مجدية لأنها غير نافذة، في حين يرى آخرون أنها تعزّز التشاور والتعاون بين الشعوب ومُمثّليهم، وتمثّل محركا إضافيّا لإدارة الشأن الدولي والتأثير في قراراته باعتبار أن هذه الدبلوماسية تمثل أصوات الشعوب.
وإزاء فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة، بفعل الفيتو الأميركي، وإزاء سكوت العديد من الحكومات - عجزا أو تواطؤا - عن المجازر التي ترتكب بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، نشطت الدبلوماسية البرلمانية بشكل مكثّف، خصوصا وهي ترى ملايين المحتجّين في العالم لا يتوقّفون عن التظاهر أسبوعيا، ولاسيّما في كبرى العواصم الأوروبية والآسيوية، للتنديد بأعمال القتل والتجويع والإبادة والتدمير في غزة.. ولعلّ آخر هذه التحركات الوفد البرلماني الفرنسي الذي طالب المجتمع الدولي بضرورة وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن تأكّد من خلال المعاينة أنّ هجمات الكيان الإسرائيلي لا تستهدف القضاء على حماس فقط، بل كل سكان القطاع، ودعا هذا الوفد البرلمانيّ الاتحاد الأوروبي إلى التحرّك لوقف الحرب على غزة، كما طالب الحكومة الفرنسية بتجميد اتفاقيات السلاح مع "إسرائيل". وكان البرلمانان الأوروبي والعربي قد تقدّما أيضا بالمطالب نفسها؛ فقد أصدر البرلمان الأوروبي، للمرة الأولى، قرارا "بوقف دائم لإطلاق النار في غزّة وبدء جهود سياسيّة لإيجاد حلّ للحرب بين طرفي الصراع، وتمّ ذلك بأغلبية 312 صوتاً مقابل 131 صوتاً وامتناع 72 عضواً عن التصويت. كما أكد البرلمان العربي دعمه كل الجهود التي ترمي إلى وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية اللازمة إلى قطاع غزة، وكسر حالة الصمت الدولي تجاه هذا العدوان الغاشم". هذا بالإضافة إلى تحرّكات عديدة في برلمانات العالم لدعم القضية الفلسطينية ليس آخرها تصويت برلمان جنوب إفريقيا على تعليق جميع العلاقات الدبلوماسية مع كيان الاحتلال.
وتعد الدبلوماسية البرلمانية ورقة ضغط جديدة بالرغم من أنّ قراراتها رمزية ولا تحمل أي وزن قانوني شأنها شأن قرارات محكمة العدل الدولية، غير أنّ الضغط المتواصل للشارع من خلال المظاهرات المتواصلة دعما لحق أهل غزة وفلسطين عموما في الحياة حرّك وبشدة هذه البرلمانات التي ما انفكّت تمارس ضغطا سياسيا على حكومات بلدانها من أجل مقاطعة كيان الاحتلال وفرض عقوبات عليه وعدم تزويده بالأسلحة. 
صحيح أنّ المجازر الوحشية في قطاع غزة لم تنفع معها الدبلوماسية الرسمية، ولن تنفع، غير أنّ الدبلوماسية البرلمانية الوطنية والإقليمية والعالمية تؤكّد أن أصوات الشعوب المنادية بالحق والعدل والحرية لا تزال طاغية، وأنّ هذا النظام الدولي الجديد لا يستمع إلى هذه الأصوات، إنما يستمع فقط إلى صوت "الحلم الإسرائيلي" بدولة من البحر إلى النهر في ظل تواطؤ دولي مستمرّ غير مستتر.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .