+A
A-

بالفيديو: المرحوم الحاج صالح الصالح.. زارع الخير في “بستان الفرح”

تطوف بنا أجواء الخمسينات الآسرة، حال الحديث عن المرحوم الحاج صالح بن عبدالله الصالح، وربما طاف بنا الخيال في تلك الحقبة نحو طليعة الشخصيات البحرينية التي اهتمت بتنمية القطاع الزراعي في البحرين، فالمرحوم الصالح أول من عمل في تجارة استيراد البذور الزراعية والأسمدة الكيماوية من أميركا وألمانيا.

بواكير التجارب الزراعية
المميز في سيرة الراحل الصالح أنه كان يجري بواكير التجارب على البذور والأسمدة في مزرعتيه: إحداهما في السهلة الشمالية، والأخرى في منطقة جد الحاج، كما كان يتاجر مع بعض المزارعين العراقيين في جلب النخيل المتنوعة وفسائل الحمضيات وأنواع الزهور، وليس هذا فحسب، بل كان للراحل، برنامج إذاعي مع المزارعين في إذاعة البحرين مساء كل أربعاء حول الشأن الزراعي، وكان يقدمه المرحوم الأستاذ مصطفى جعفر.

المطوع واللغات والغوص
ولد الراحل الحاج صالح الصالح عام 1909، وزاول عدة مهن منها: الغوص، المقاولات والتجارة والزراعة، وله من الأولاد تسعة هم: علي ويوسف وكامل وناظم وعادل ورؤوف، أما الإناث فهن ثلاث: بتول وخاتون ووجيهة. 
التحق الراحل في طفولته بالمطوع لتعلم القرآن الكريم، ثم أرسله والده إلى المدرسة الإيرانية الأهلية الوحيدة في تلك المنطقة التي افتتحت سنة 1910 قرب مدرسة فاطمة الزهراء بالمنامة لتعلم أساسيات اللغة الإنجليزية والفارسية، وقد باشر الحاج صالح مهنة الغوص في بداية حياته العملية في الثلاثينات من القرن الماضي وهي المهنة السائدة، ثم اتجه إلى العمل التجاري، حيث كانت تربطه في الأربعينات علاقة أخوة وصداقة حميمة وقوية مع المرحوم الحاج عبد الحسين الحلواجي، فعمل الاثنان معًا، كما عمل في صناعة الحلوى، ودخل مجال بيع وشراء المواد الغذائية في سوق المنامة القديم، ولم يشبع ذلك العمل روحه المتحفزة للتجديد والتطوير والتوسع، فبدأ في إنشاء علاقات تجارية مع تجار خارج البحرين.

من لبنان إلى قندهار
وكانت البداية مع بعض التجار الإيرانيين، وقد ساعده إتقانه للغة الفارسية على ذلك، وكانت التجارة مع إيران حينها تتم عن طريق المقايضة، وتطورت تجارة الحاج صالح وقام بإنشاء علاقات تجارية مع تجار من لبنان وسوريا والعراق ومصر والهند وباكستان، حيث كان يستورد جميع أنواع المواد الغذائية والفواكه، وقد سافر إلى مدينة قندهار في أفغانستان مطلع الخمسينات من القرن الماضي حيث استورد أنواعا خاصة من الفواكه المشهورة بها، مثل الخوخ والمشمش، وشيئًا فشيئًا أصبح من كبار تجار المواد الغذائية في البحرين.
ومن ضمن رحلات السفر، كان يتردد على العراق في كل عام مع الأسرة لزيارة الأماكن المقدسة في الكاظمية وكربلاء والنجف، وللراحل اهتماماته الفكرية والثقافية فهو من مؤسسي نادي العروبة سنة 1939، وقد تم تكريمه في احتفال بمناسبة الذكري السبعين لتأسيس النادي، كما كان له مجلس ليلي من أبرز رواده الحاج أحمد المديفع الحاج عبدالله القصاب، والحاج حسين القطري، وسيدحسن الباش، وعبد الله الصيقل وغيرهم.

بناء سوق الخضار
كان المورد الأساسي للمواد الغذائية من فواكه وخضراوات في تلك الحقبة إلى مستشفى حكومة البحرين (مستشفى النعيم) وشركة بابكو والكثير من مؤسسات الدولة آنذاك، وأكسبته هذه التجربة مهارة اللغة الأردية (الهندية) وقليلا من لغة البشتون الأفغانية، فبالإضافة إلى تجارته الأساسية، دخل أيضًا قطاع المقاولات، وعهد إليه أبرز عمل، وهو بناء مبنى الخضار والفواكه في السوق القديمة بالمنامة الذي أُفتتح في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك سنة 1954، كما تولى الراحل الصالح عمليات الدفان الأولى التي شهدتها منطقة الفرضة القديمة بالمنامة.
غادر الحاج صالح الصالح الدنيا يوم السبت الرابع عشر من يناير عام 1976 بعد مرض لم يمهله طويلًا، لكن غرسه الطيب بقي حتى اليوم في الأرض الطيبة الكريمة، التي كانت ولا تزال تجود بالخيرات من بساتين الفرح والكرم والعطاء النبيل.