العدد 5579
الثلاثاء 23 يناير 2024
banner
المبالغة في تصوير أفعال إسرائيل تخدمها
الثلاثاء 23 يناير 2024

في إحدى السنوات قامت إحدى الجامعات العربية باختبار فرضية “تناقص تأثير الأصوات والأفعال بتكرارها”، حيث تم اختيار حقل يتواجد فيه الحمام يوميا بكثرة وأطلقوا قذيفة مدفعية، الحمام خاف من الصوت القوي فطار كله، في اليوم التالي كرروا التجربة وطار الحمام كله، في اليوم الثالث لاحظوا أن بعض الحمام طار وبعضه طار قليلا ثم نزل إلى الأرض، ثم عندما وصلت التجربة إلى اليوم العاشر لاحظوا أن الحمام لم يعد يطير عندما يسمع صوت المدفعية. في السياق نفسه حكى لي صديق لبناني انه فترة الحرب الأهلية في بلاده كان كل المتواجدين في الشارع يسارعون إلى حيث مصدر صوت الانفجار ليروا ما يجري، ثم بعد فترة صاروا يكتفون بالالتفات إلى حيث مصدر الصوت والتوقف هنيهة قبل أن يواصلوا طريقهم ثم وصلوا إلى مرحلة لم يعودوا يلتفتوا فيها إلى الجهة التي يأتي منها صوت الانفجار.
الأمر نفسه يحدث حاليا في العالم، حيث كان للصور والفيديوهات التي تبثها الفضائيات أول “طوفان الأقصى” تأثير كبير على المتلقين الذين بسبب ذلك صاروا يخرجون في مظاهرات، ثم قل تأثيرها رغم اتساع المأساة ولم نعد نشاهد المظاهرات إلا في دول قليلة ولساعات محدودة. التقدير أن الاعتقاد بأن تكرار نشر الصور والفيديوهات لأطفال غزة وهم ينزفون ويتشوهون جراء القصف الإسرائيلي لهم ويفارقون الحياة يؤثر على المتلقي فيجعله يتخذ موقفا ضد إسرائيل ويناصر حماس ليس صحيحا، فقد يأتي بنتيجة عكسية، بل هذا هو الذي يحدث حاليا. تكرار مشاهدة تلك الصور والفيديوهات المؤلمة لا يؤدي الغرض منها، لأنها باختصار تجعل المتلقي متعودا على ما يرى ولا تؤثر فيه إلا قليلا، وصولا إلى عدم التأثر بها. كنا نتألم ونضج عند سماعنا خبر استشهاد فلسطيني واحد، اليوم نسمع ونرى الأخبار التي تعلمنا عن استشهاد مئات الفلسطينيين كل يوم ولا نتأثر إلا قليلا.. ولعلنا بعد قليل لا نتأثر.
كاتب بحريني والمدير التنفيذي لاتحاد الصحفيين الخليجيين

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية