العدد 5574
الخميس 18 يناير 2024
banner
التعليمُ العتيقُ ومناقبية الدين ورحمانيته!
الخميس 18 يناير 2024


السلمُ العالمي حالة متشابكة، فلا يمكن أن يكون هناك استقرار دائم إذا كانت هناك حروب محتدمة، فالنزاعات تنتقل عابرة للحدود، ما يتطلبُ النهوضَ بجهود حثيثة من أجل الحد من الصراعات، والتقريب بين وجهات نظر المختلفين، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة للحوار، تؤسس لتفاهمات قابلة للتطبيق.
هذا الإدراك لمركزية "السلم" في حياة الإنسان، بقدرِ ما يكون ناتجاً عن الخبرات المتراكمة، والدروس المستفادة من التاريخ، هو أيضاً جزء من الوعي الثقافي الذي يبنى بالتعلم والتثقيف الذي يجب أن يبدأ من الصغر، كي يكبر الإنسان وتكبر معه ثقافة "السلم" واحترام الآخر والتعايش المجتمعي بين مختلف الثقافات والديانات. التركيزُ على "التعليم" وتحديداً الشكل الكلاسيكي منه، الذي يبدأ من الأسرة والحارة والمسجد والقرية، هو ما دفع "المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم"، في دورته الرابعة، لأن يختار موضوع "التعليم العتيق في أفريقيا: العلم والسلم"، ليكون محور نقاشاته التي احتضنتها العاصمة الموريتانية نواكشوط، خلال شهر يناير الجاري. الملتقى الذي هو ثمرة شراكة استراتيجية بين الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الموريتانية، يهدفُ إلى أن تسود في أفريقيا ثقافة تحدُ من الأخطار المتمثلة في النزاعات الأهلية والاقتتال على السلطة وانتشار التنظيمات الإرهابية المسلحة كـ "داعش" و"القاعدة"، والتي وجدت في بعض مناطق القارة ملاذاً آمناً مؤقتاً لها، بغية ترتيب صفوفها، وإعادة التجنيد، رغم المعارضة والمقاومة الواسعة لها من السكان المحليين والحكومات. 
وعليه، فإن المسؤولية الكبرى استشعرها القائمون على "المؤتمر" بهدف دفع الحواضن التعليمية الدينية الكلاسيكية، كي تستطيع مواصلة أدوارها التاريخية في مواجهة قوى التطرف، وأن تكون قادرة على التأثير من خلال خطاب يقوم على رحمانية الدين، واحترام التنوع البشري، ونبذ القتل والكراهية.
"احتضنت أفريقيا مراكز تعليمية "كانت جذوراً للمعرفة المؤصلة، وجسوراً للتواصل والتعايش، وحصوناً منيعة في وجه الغلو والتطرف، وروافد للهوية الأفريقية"، وفق ما جاء في تقرير أعده "ملتقى أبوظبي للسلم"، ومن أبرز الأماكن التي ذكرها التقرير "جامع وجامعة القرويين، جامعة الزيتونة، الأزهر الشريف، تنبكتو، المحاظر الشنقيطية، الخلاوي السودانية، الكتاتيب السنيغالية".. وسواها من البيئات العلمية التي حاولت قوى التطرف أن تخترقها، إلا أن تمسكها بفكرة "الدين الفطري" المؤسس على التعلم والأخلاق، جعلها أكثر حصانة على مدى قرون، وهو الأمر الذي سعى "المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم" للتأكيد عليه والإشارة، ليس فقط لرمزيته التاريخية، بل لقيمته الأخلاقية العليا، المستمدة من الرسالة المحمدية الشريفة في قولِ الحقِ تبارك وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".

كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .