تحتاج أجندة التغير المناخي العالمية إلى مزيد من العناية؛ فمن الواضح أننا نتخلف عن أهداف صافي الانبعاثات الصفري، حيث أصبحت الظواهر الجوية الشاذة شيئًا عاديًا، كما وقعت العديد من الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم، بسبب الاحتباس الحراري، وما يؤدي إليه من عدم استقرار في أنظمتنا المناخية.
لقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيرًا شديد اللهجة في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك في 23 يوليو 2023، عندما قال: “لقد ولى عصر الاحتباس الحراري العالمي، وبدأ عصر الغليان العالمي”. كما صرح رئيس تحالف التنمية الحضرية المستدام، الذي مقره في نيويورك: “لقد دعوت جميع الأطراف المعنية لعدة أعوام إلى اتخاذ إجراءات حقيقية، وتقديم المزيد من المساعدة للدول الفقيرة، لتوفير بدائل مستدامة للطاقة، فهي الحلقة الأضعف في معادلة التغير المناخي”.
وأظهر تقرير حديث صادر عن مؤسسة “العدالة في الديون” (Debt Justice)، في المملكة المتحدة، أن الدول الغربية المتقدمة تعمدت محاصرة الدول الفقيرة بديون الوقود الأحفوري، وإجبارها على مواصلة الاستثمار في مشاريع الوقود الأحفوري لسداد تلك الديون. وتمثل المستويات المرتفعة من ديون الوقود الأحفوري حاجزًا واضحًا أمام اعتماد تلك الدول لحلول الطاقة الصديقة للبيئة، فهي ببساطة لا يمكنها الخروج من دائرة سداد الديون. وتقع تلك الدول عادةً في جنوب الكرة الأرضية، وقد زادت ديونها بنسبة 150 % منذ العام 2011، وهي تنفق على سداد الديون خمس مرات أكثر مما تنفقه على أزمة المناخ.
إنه شكل جديد من أشكال الاستعمار الذي لابد أن ينتهي، إذا كنا نريد معالجة أزمة المناخ بالصورة اللائقة، وبالجدية التي تستحقها، وهنالك أمثلة على قروض أخذتها دول من بنوك غربية بناءً على توقعها بتحقيق أرباح من اكتشافات لحقول غاز. وفي بعض الحالات، كانت حزم إنقاذ بعض الدول عبارة عن قروض تسدد من عائدات الوقود الأحفوري المستقبلية. وهذه بالطبع محاولة مضحكة وواضحة للاستفادة تقوم بها الدول المتقدمة، التي تدعي أنها تمول الطاقة المستدامة وتسعى إلى تحقيق الصافي الصفري.
من الواضح أن الدين المتزايد له وقع أحجار الدومينو على السياسات الأخرى لتلك الدول، ويؤدي إلى التأثير على حياة مواطنيها سلبيًّا. فقد أصبح هدف تلك الدول الرئيسي هو تحقيق إيرادات للسداد للدائنين، مما يعني إهمال أي أجندة صديقة للبيئة، وتجريد البلاد من أي سيادة لديها للتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري. لقد أصبحت تلك القروض أداة لتحقيق السيطرة على تلك الدول، وهي ممارسة يجب أن تتوقف.

بل سأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إنه يجب شطب تلك الديون للسماح لتلك الدول بالتركيز على بدائل مستدامة للطاقة، لأنها متخلفة عن الركب بكثير، كما أن تكلفة إبقاء الوضع الراهن كما هو عليه أكبر بكثير على المدى البعيد. فيجب أن نفهم أن التغير المناخي هو مسؤولية مشتركة، وأنه لا يمكن التعامل معه إلا إذا كنا متكاتفين. كما أن أنظمة الطقس والمناخ الخاصة بكل دولة هي بيئة مشتركة، بمعنى أن ما تقوم به كل دولة يؤثر على تلك الأنظمة، ولم يعد بإمكاننا أن نتحمل أن تتبنى بعض الدول الخيارات الصديقة للبيئة وأن تظل دول أخرى تعتمد على الوقود الأحفوري بسبب جشع بعض الدول والبنوك.
لدى الدول الغربية تاريخ دموي طويل في الاستفادة من الموارد الاقتصادية للدول الأجنبية لمصلحتها، وقد حان الوقت أن تصبح جادة في مساعدة تلك الدول عن طريق شطب جميع الديون ومساعدتها على إنشاء بنى تحتية للطاقة المستدامة، مما سيساعد في علاج الأضرار البالغة التي لحقت ببيئتنا، وبناء عالم نظيف لنا ولأطفالنا.