العدد 5547
الجمعة 22 ديسمبر 2023
banner
صحافيّون تحت النار
الجمعة 22 ديسمبر 2023

في الوقت الذي يؤكّد فيه الاتّحاد الدولي للصحافيّين وجمعيّة حماية الصحافيين والمواثيق الدولية الخاصة بالعمل الصحافيّ ضرورة حماية الصحافيّين والمراسلين الميدانيّين وعدم استهدافهم تحت أي ظرف من الظروف، تضطرّ هذه المهنة يوما بعد آخر إلى دفع ثمن باهظ قد يكون حياة الصحافيّ ذاتها، حتّى أصبحت مهنة الصحافة أكثر خطورة من ذي قبل، والبقاء على قيد الحياة في مناطق الصراع أمرا غير مؤكّد، وصار ثمن الحصول على المعلومة الصحيحة رصاصة مباشرة أو طائشة تؤدي في أغلب الأحيان بحياة المراسل الصحافي لتواجده في خطوط النار.

وإذا كان الصحافيّون سابقا أهدافا "كبيرة القيمة" يُقبَض عليهم من أجل فِدية أو غير ذلك، فقد غدت تصفيتهم العلنية في فلسطين عموما وغزة خصوصا حقيقة لا تشوبها شائبة؛ وذلك لزرع الرعب في الصحافيّين وعوائلهم، ووفق اليونسكو، قُتل أكثر من 1600 صحافي في جميع أنحاء العالم في الفترة ما بين عامي 2006 و2023، مع بقاء ما يقارب 9 من 10 حالات بدون حل قضائي. أمّا في قطاع غزة فقد تعاظمت أرقام الوفيات لتصل إلى ما يربو عن مئة شهيد بحسب ما نشره المكتب الإعلامي في قطاع غزة منذ اندلاع طوفان الأقصى وحتى كتابة هذه الكلمات.

ولم ينطلق مسلسل اغتيال الصحافيين من واقعة اغتيال الصحافية شيرين أبوعاقلة العام الماضي برصاصة موجّهة لإيقاف صوتها، ولم تنتهِ المأساة باستشهاد المصوّر الصحافيّ سامر أبودقة الجمعة الماضية في ضربة بطائرة مسيرة أثناء تغطيته قصفا لمدرسة تستخدم كمأوى للنازحين في جنوب قطاع غزة، ولن يتوقّف بما طال المراسل الصحافي وائل الدحدوح من جروح في جسده وفي نفسه بعد الانتقام منه باغتيال زوجته وابنه وابنته وحفيده الذين قضوْا في غارة جوية إسرائيلية استهدفت المنزل الذي لجأت إليه عائلة الدحدوح في مخيم النصيرات نوفمبر الماضي، وقتل فيها 12 شخصا من عائلته منهم 9 أطفال. كما استشهدت في غزة بنيران القصف الجوي أسماء معلومة في عالم الصحافة في فلسطين نذكر منهم الصحافي ساري منصور مدير وكالة قدس نيوز، الصحافي بلال جاد الله رئيس مجلس إدارة بيت الصحافة، المصور حسونة سليم صحافي مستقل، الكاتب والصحافي والمحلل عميد الصحافيين في فلسطين مصطفى الصواف مع زوجته واثنين من أبنائه، دعاء شرف الصحافية في إذاعة فلسطين، والصحافية المستقلة سلمى مخيمر... وغيرهم كثير رحمهم الله.

وليست هذه الأسماء، المشهورة والمعلومة لدى المتابع في الشرق الأوسط، سوى عيّنة لقائمة طويلة من الصحافيين الذين لم يحمهم درع الصحافيّ ولم يكترث له العالم "المتحضّر" ولا نقابات الصحافيين ولا مؤسسات حقوق الصحافيين وحمايتهم ولا اتحاد الصحافيين الدولي لموتهم وموت آلاف الأبرياء.

لقد اسْتُشْهِدَ زملاؤنا الصحافيّون بنيران القصف الجوي للمحتل في قطاع غزة، وسيمرّ قاتلوهم دون محاسبة كما اعتدنا، ولن يشفي غليل أهلهم والعائلة الصحافية عموما أَسَفُ أنطونيو جوتيرش أمين عام الأمم المتحدة، ولا قول مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "إن حجم الإفلات من العقاب على الهجمات ضد الصحافيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام أمر غير مقبول".. طالما لم تتحمل هذه المنظمات مسؤوليتها في محاسبة القاتلين عاجلا لا آجلا.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .