العدد 5541
السبت 16 ديسمبر 2023
banner
صناعة الفراغ
السبت 16 ديسمبر 2023

لا يعد الفراغ إلا وهمًا نصنعه لأجل أن نضعف تأثير شيء ما في حياتنا، ولا يعتبر الفراغ متسعًا للاسترخاء؛ لأنه حتى أخذ قسط من الراحة لا يكون فراغًا لاعتباره حاجة ماسة يحتاجها الإنسان ليعيش حياته بشكل طبيعي، ويعانق أحلامه، وينعش نشاطه من أجل الانطلاق مجددًا إلى وجهته المستقبلية كيفما يريدها أن تكون.
عرفتنا الدنيا على أناس لا ينظرون إلى مستقبل ما، ولم يرسموا هدفًا أو أهدافًا لهم قط، يعيشون الحياة كما هي، وكيفما تسيرهم إلى أي طريق، قد يحتجون، أو يشتكون، أو ينزعجون، لكنهم لا يحركون ساكنًا، ولا يحولون الدّفة إلى الوجهة التي يستوجب أن يتوجهوا إليها وأن يحددوها بأنفسهم بناء على كل المعطيات المتوافرة لديهم، وتكهناتهم التي أفرزتها خبراتهم الحية على مر السنين الماضية من عمرهم بدءًا من تأهب وعيهم المفترض لمعترك الحياة.
لا يكلف صنع الفراغ جهدًا أو شيئًا، لكن نتاجاته سلبية إلى أبعد الحدود، وإن كانت بطيئة وخفية، وقد يأتي تأثيرها تدريجيًّا لتكبل في النهاية صانعها، وتحدّ حركته، وربما تنهي حياته إلى طريق مسدودة أو إلى حيث لا رجعة، وعلى العكس من ذلك تمامًا ما يخلق الأمل لدى العاكفين في التأمل والعمل، المخيرين فيما خيّرهم الله فيه، الذين يبقون حياتهم خالية تمامًا من الفراغ، ومليئة بما يصنع النجاح، ويحقق الرؤى والتطلعات، بل ويفوقون في ذلك كل تصوراتهم، وذلك لجعلهم الحياة بلا فراغ، إنما لصناعة الإنجاز.
* كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .