العدد 5534
السبت 09 ديسمبر 2023
banner
ديناميكية التغيير
السبت 09 ديسمبر 2023

لكل جيل ما يستهويه، ولكل جيل انطباعاته وآراؤه المتفردة، وهو أمر طبيعي أثبته تعاقب الأجيال على مر الزمن، لكن الملفت في ذلك أن العامل المشترك هو الرغبة في الاختلاف وكسر التابو والخروج عن المألوف، ومن ذلك ما يتعلق بتعاطي هذه الأجيال الشابة مع الفنون بمختلف أنواعها أو محاولات تطويرهم تجارات آبائهم على سبيل المثال، وما يعتريها من رغبات عارمة في إحداث التغيير وفقاً لتطلعات مستقبلية يرونها الحل الأمثل للمضي قدماً في اتجاهات يعدونها خروجاً من عنق زجاجة أسرت من سبقوهم ولا يعتقدونها جديرة بالاستمرار بحكم قدمها.
ولا يعني القبول بهذه الديناميكية أن التغيير صحيح حتى لو كان كذلك؛ فالتغيير بطبيعته لا يحدث تقدماً بشكل مطلق، فأحياناً يكون تمرداً على واقع لا يشوبه أي غبار، ولكن يأتي الجيل الذي بعده لينادي بإحداث التغيير مهما كان شكله وجدواه، وهلم جرى، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يدعو إلى القلق حقيقة هو ألا يكون الجيل مطلعا تمام الاطلاع على تاريخ وعادات وتقاليد وثقافة بلده أو على أقل تقدير معرفة المفردات الأصيلة للغة والحياة في مجتمعهم، وما إلى ذلك من أشياء كان أساسها الدين والخلق، وهو ما يؤكد الهوية، ويعزز الانتماء.
الغريب في الأمر هو إطلاع الجيل الحالي على الثقافات الغربية أكثر من إطلاعه على ثقافته، وهو ما يبين عمق الفجوة ما بينه وبين التاريخ والثقافة المحلية، وإن في ذلك لقصور كبير يتحمله كل مسؤول، كما أن الأمر لا يقتصر على المعرفة وحسب، أو اللغط الذي قد يدور حول جدوى هذه المعرفة، بل في بناء هوية الشخصية المحلية كذلك التي إن ابتعدت عن أصالتها وتلاشت فإنها ستعد جزءاً من الماضي، قد يصعب استرجاعه أو يستحيل، وهو ما لا يمكن لنا أن نتخيله أو أن نتقبله البتة.
* كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .