العدد 5532
الخميس 07 ديسمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
اللغة العربية.. التآكل المنذر بالانقراض (1)
الخميس 07 ديسمبر 2023

أثرنا في أكثرِ من مناسبةٍ موضوعَ تدهورِ وضعِ اللغةِ العربية ومنزلتِهَا بين أبنائها وتآكلِ رصيدِها لدى قسمٍ لا يستهانُ به من أبناءِ الجيلِ الجديدِ، ولم أكن شخصيا أتوقع أن يكون لما نكتبهُ أي صدى أو أثر على الواقعِ، لأسباب ٍعديدة، أهمها أن مركزَ هذه اللغة هو من مركِز أبنائهَا في الواقعِ. لأنَّ “المغلوب مُولَعٌ (دائماً) بِتَقليد الغَالب في شِعاره وزيّهِ ونِحلَتهِ، وسائر أحواله وعوائده”. كما كتبَ ابنُ خلدون. مع التَّحفظِ على صيغته الإطلاق (دائما). حيث إن المنزلة المتدنية لهذه اللغةِ اليوم، تعودُ إلى وضعِ الأمُّةِ في هذه المرحلةِ التاريخيةِ الصَّعبةِ. فحدث هذا التراجع المهلكُ مع أن لغتنا حاملةُ تراثِ مجتمعاتنا وتاريخِنا الثَّقافيِّ والرُّوحيّ. وهي أهمُّ مقوماتِ هويّتِنا وانتمائنا. ومع أنه من الصَّعبِ استمرارُ حضورِنا كجماعةٍ بشريةِ حية في ظل ما تراجعِ للغتُنا تراجعًا يكادُ يفضي إلى اضمحلالها وتدهورِ وظيفتِها الاجتماعيةِ، واستنزافِ مخزونِها الرمزيِّ، وغيابها شبه الكامل عن الفُرصِ الاقتصاديةِ والعلمية والتكنولوجية، في مقابل تقدمِ الُّلغاتِ الأجنبيةِ.
لذلك تلاحظ عندما تجمعك ظروف المكان والزمان ببعض من أبناء هذا الجيل، من معوجي اللسانِ والنحلةِ والمشيةِ، العجبَ وتسمع العجابَ، حيث تختفي اللغة العربية تماماَ، وتحلُّ محلَّها العجمةُ والادعاء واستعراض اللغة الأجنبية التي تحولت لديهم كهوية، وكعنوان انتماء طبقي في الغالب الأعم، ممزوج باحتقارٍ معلنٍ للعمل والمهن والكدحِ وسهرِ الليالي، طالما أنَّ أمثال هؤلاء لديهم الأشياء ميسورة، تأتيهم من دون جهد. وتصبح اللغة التي حلت محل الآباء والأجدادِ تعبيرًا عن نفورٍ من العربية باعتبارها عندهم رمزا “للتخلف وتدني الطبقة الاجتماعية”، وفي المقابل يجري تعزيزُ مكانةِ اللغةِ الموصوفةِ بالحيَّة، وجعلها شرطاً من شروط الصُّعودِ الاجتماعيِّ، والفوز بأفضلِ الفرصِ في سوق العمل، لذلك لم يكن غريباً أن تصبحَ اللغةُ العربيةُ غريبةً في بيئتها وبين أهلها، وغيرَ محصنةٍ ضدَّ التآكلِ المُنذرِ بالانقراضِ، كنتيجةٍ لتقلُّصِ دوائرِ استخدامِها، والتوسُّع المضطردِ في استخدامِ اللُّغات الأجنبية، والتأثيرِ الكاسحِ للخطابِ الإعلاميِّ الذي يعصِفُ بالعربية ويحيلُها إلى الهامشِ.
وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية