العدد 5512
الجمعة 17 نوفمبر 2023
banner
وعد بلفور.. ودرس عظيم في الوفاء
الجمعة 17 نوفمبر 2023

يُحيي الكيان الإسرائيلي في هذا الشهر من هذه السنة الذكرى 106 لوعد بلفور المشؤوم "وعد من لا يملك لمن لا يستحقّ"، يُحييه كأجمل ما يكون مُحقّقا أرقاما قياسية عالمية تاريخية في إبادة الأبرياء وقتل الأطفال والنساء والمسنين والرضع المولودين على أنغام القصف الصاروخي اليومي على المستشفيات والكوادر الطبية واللاجئين إلى هناك بعد أن سوّى المجمّعات والمنازل والمدارس والمساجد بالأرض، تمهيدا لدخول الدبابات إلى قطاع غزة.
يحتفل الكيان وكلّ من سانده بذكرى هذا الوعد وهو حريص على الوفاء لمبادئه وقناعاته وأهدافه التي رسمها منذ قرن ونصف حين سخّر كل رؤساء الدول الغربية وملوكها آنذاك جهودهم ونفوذهم لتحويل حلم اليهود بدولة في فلسطين إلى وعد وتحويل الوعد إلى حقيقة. ما أشبه اليوم بالأمس؛ لقد وعد نابليون بونبارت بأن تقدّم فرنسا فلسطين لليهود: "وتدعوكم فرنسا للاستيلاء على إرثكم، بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به" على حدّ قوله، وها هو "دون إيلونبرج" باسم حكومة قيصر ألمانيا في خطاب إلى (هرتزل) في سبتمبر 1898م، يؤكّد أنّ "جلالته يحب أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسؤولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها، وأنه على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان.."، ولم تكن روسيا القيصرية تغرّد خارج السرب الاستعماري، بل كانت تدعم جوقة التوطين، فقد وجّه (فون بليفيه) وزير الداخلية الروسي رسالة إلى (هرتزل) جاء فيها: "ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبّذ ذلك وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا"، وما هي إلا سنوات حتى ترعرع الحلم الموعود ليصبح وعدا غير مكذوب، حين توَّجَه وزير الخارجية البريطاني (آرثر بلفور) في رسالة منه إلى اللورد روتشيلد أكّد فيها أنّ "حكومة ملك بريطانيا تنظر بعين اللطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، في وقت لم يتجاوز فيه عدد اليهود 5 % من السكان الأصليين لفلسطين.
وهكذا بحكم مكانة بريطانيا ونفوذها الاستعماري استطاعت أن تحوّل الوعود إلى إنجازات هيّأت سريعا لقيام دولة إسرائيل على الأراضي العربية الفلسطينية عام 1948، وتحديدًا يومًا واحدًا بعد إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين.
نعم ما أشبه اليوم بالأمس؛ فهاهم رؤساء الدول الغربية، وعلى رأسهم اليوم الولايات المتحدة الأميركية، يواصلون الدعم بالقول والفعل، بالمال والعتاد والرجال والاستخبارات والطائرات والغوّاصات وبراميل النفط.. هاهم على قدم وساق في انسجام تام مع وعودهم القديمة لم يتخلّوا عنها ولم يتراجعوا عنها قيد أنملة يؤازرون صنيعتهم المدلّلة ويتنافسون في شد أزرها بكل ما أوتوا من قوة، ولو على حساب حرية التعبير في أوطانهم "الديمقراطية".
إنّه الوفاء يا سادة.. وفاء رؤساء أوروبا وملوكها اليوم إلى أسلافهم من الرؤساء والملوك قبل قرن ونصف، إنها الثوابت الاستعمارية لا تنحاز عن مخططاتها ولو تعارضت مع "اتفاقية جنيف" و"قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وأخلاقيات الحروب والنزاعات. حقّا إنّه درس عظيم في الوفاء. فهلّا تعلّمنا؟ 

كاتب تونسي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .