يواجه العالم فترة غير مسبوقة من عدم اليقين الاقتصادي، يعزى إلى مزيج معقد من العوامل التي تشمل الضغوط التي تواجهها محركات النمو الرئيسية مثل الصين والولايات المتحدة، والتي بدورها تكافح للتعامل مع تأثيرات الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية والتحديات الداخلية. فارتفاع تكاليف الاقتراض كشف عن ضعف العديد من الأسواق الناشئة والبلدان النامية، فضلاً عن بعض الاقتصادات المتقدمة التي تراكمت عليها مستويات عالية من الديون.
هذه العوامل ليست مستقلة عن بعضها البعض. إنها تتفاعل وتعزز بعضها البعض في دائرة ردود سلبية تهدد بتعطيل الانتعاش العالمي وتهدد فرص الأجيال المستقبلية. لقد تشكل العالم نتيجة ثلاثة إخفاقات مستمرة تشمل عدم القدرة على تحقيق نمو مستدام وشامل يحترم الكوكب، والأخطاء المتكررة في السياسات الداخلية ونقص التنسيق السياسي العالمي الفعّال.
الإخفاق الأول هو عدم القدرة على تحقيق نمو مستدام وشامل يحترم كوكبنا. فعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي تم تحقيقه في تخفيض معدلات الفقر وتحسين مستويات المعيشة على مر العقود الماضية، إلا أن العديد من الأشخاص لا يزالون يواجهون الصعوبات والحرمان، في حين يتمتع آخرون بثروات وامتيازات غير مسبوقة. فالفجوة بين الأغنياء والفقراء، سواء داخل البلدان أو بينها، اتسعت إلى مستويات مقلقة، مما زاد من عدم الرضا والاستياء. وعلاوة على ذلك، فإن نمو النموذج الحالي ترتب عليه تكلفة بيئية عالية، حيث يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتلويث الهواء والمياه وتسريع ظاهرة الاحتباس الحراري. كما أن تداعيات تغير المناخ باتت ملموسة في جميع أنحاء العالم، وإذا استمرينا على هذا النحو، فلن نفشل فقط في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بل سنعرض أيضًا بقاء الجنس البشري نفسه للخطر.
الإخفاق الثاني هو تكرار الأخطاء في السياسات الداخلية التي ساهمت في الوضع الحالي. فقد فشلت العديد من البلدان في تنفيذ سياسات اقتصاد كلي سليمة يمكن أن تضمن الاستدامة المالية والاستقرار النقدي ومرونة النظام المالي. كما فشلت أيضًا في اعتماد الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تعزز الإنتاجية والقدرة التنافسية والابتكار والتنويع وبدلاً من ذلك، لجأت تلك البلدان إلى إصلاحات على المدى القصير أسفرت عن تشوهات وتفاوتات اقتصاداتها، مثل التوسع المفرط في الائتمان والتلاعب بالعملات والتحفظية التجارية، والدعم المالي. هذه السياسات لم تنجح فقط في تحقيق نمو مستدام وازدهار مشترك، ولكنها أيضًا أسفرت عن ضعف وهشاشة جعلتها أكثر عرضة للصدمات والأزمات.
الإخفاق الثالث هو انعدام تنسيق السياسيات العالمية الفعّالة القادرة على مواجهة التحديات المشتركة التي نواجهها كمجتمع عالمي. في عالم أصبح أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، لا يمكن لأي دولة أن تتحمل التصرف بعزلة أو تجاهل تأثير أفعالها على الآخرين. هنالك حاجة إلى المزيد من التعاون والحوار بين الدول للتعامل مع قضايا تتجاوز الحدود الوطنية، مثل النزاعات التجارية، وضبط الأسواق المالية، والتهرب من الضرائب، والأمن السيبراني، وتدفقات الهجرة، والأوبئة الصحية، والإرهاب، وانتشار الأسلحة النووية، وتغير المناخ. وهناك أيضًا حاجة إلى المزيد من التضامن والدعم لتلك البلدان التي تحتاج إلى المساعدة بشدة، مع المزيد من التعددية المطلوبة في جميع أنحاء العالم.
علينا أن نستغل قوة التكنولوجيا بشكل أكبر ونحتاج إلى قيادة على الصعيد العالمي لتتبناها. فالتكنولوجيا ليست تهديدًا بل فرصة يمكن استخدامها للتعامل مع العديد من التحديات التي نواجهها اليوم ومساعدتنا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبناء عالم أكثر سلامًا وازدهارًا ومرونة. يجب علينا التأكد من أن تكون التكنولوجيا شاملة ومتاحة للجميع، وأنها تعزز المساواة والعدالة وتحمي بيئتنا ومواردنا.
لتحقيق هذه الأهداف، نحتاج إلى عقد اجتماعي جديد للعصر الرقمي، يحدد أدوار ومسؤوليات جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومات والشركات والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والأفراد. نحن بحاجة إلى إطار حوكمة عالمي للعصر الرقمي يعزز التعاون والتنسيق بين الدول والمناطق، ويوازن مصالح واحتياجات جميع الأطراف. كما أن هناك حاجة إلى مدونة أخلاقية جديدة للعصر الرقمي تحدد المعايير والأعراف لتطوير واستخدام التكنولوجيا بما يضمن المساءلة والشفافية.